أجمل ما قرأته للكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو قوله “احلم وكن مؤمناً بحلمك واسع لتحقيقه وستجد أن الدنيا كلها تتضامن معك لتحقيق هذا الحلم، إن قوة إيمانك بما تعتقد أنه من حقك نصف الطريق إلى تحقيق ما تريد” مع ذلك فهناك من لا يؤمنون بالأحلام ولا يحلمون من الأساس، ويعتقدون أنهم أشخاص عمليون جداً على حد تعبيرهم، يعيشون الواقع ويتحركون على أرض الحقيقة وليس على أرصفة الأحلام، في حياتنا حالمون جداً، وسادرون في الأحلام، وهناك من لم يحلم ومن لم ير حلماً في حياته.
حين لا تنتابني أحلام المنام المعروفة أشعر بقلق، وحين أسمع برامج تفسير الأحلام تنتابني حالة من الذهول لعالم الأحلام والمنام، فهناك تفاصيل غريبة وإشارات ودلالات تصيبني الدهشة حين أسمع تفسيراتها، وأعلم أن تفسير الأحلام علم كبير وجليل برع فيه مفسرون كبار في تاريخنا الإسلامي، كما أنني أعرف أناسا مقربين لديهم هذه المقدرة المحصنة بآيات القرآن الكريم فهم يقرؤون الحلم من خلال معاني القرآن ودلالات كلماته وإشاراته العظيمة، ولعل سيدنا يوسف كان المعبر الأعظم للرؤى في تاريخ الإنسانية، لأن من آتاه علم تفسير الرؤى هو الله سبحانه وتعالى ما يدل على أن السعي وراء تفسير الحلم ليس بالأمر المذموم كما يعتقد البعض.
لكن الهوس الذي يصيب البعض فيسعون لمعرفة تفاسير أحلامهم عبر كتب الأبراج وفناجين القهوة وخطوط الكف وغيرها أمر جديد علينا لكنه للأسف صار ظاهرة منتشرة، وفي الآونة الأخيرة أواظب على الاستماع لبرنامج “رؤيا” الذي يقدم عبر أثير إذاعة نور دبي للشيخ وسيم يوسف، وهو برنامج متميز، يقدمه الشيخ بأسلوب توجيهي وتربوي جميل، كما أنه يشي باهتمام الناس بالبحث عن تفاسير لأدق أحلامهم حتى ما كان يظهر منها بشكل جلي، إنها ليست سوى أضغاث أحلام أو شيء من حديث النفس أو ما سقط في منطقة اللاوعي طيلة نهاراتنا المليئة بالأحداث والصور والأخبار فنستظهره برمزية معينة يعالجها الدماغ بطريقته ويقدمها بوجه آخر.
الناس منذ كانت وهي صريعة علاقة ملتبسة ومرتجفة مع المجهول، ولذلك نقول إن الإنسان عدو ما يجهل، الإنسان لا يحب الأشياء الغامضة وما خفيت عليه فيحاول استجلاءها بشتى الطرق، وتفسير الأحلام علم وموهبة وفطنة ونعمة إلهية لكنني حين أنصت لهذا الكم الهائل من أحلام الناس يوميا أستغرب من الذين لا يحلمون أبدا على حد قولهم، فما هو تفسير ظاهرة الذين لا يحلمون ؟ أي الذين لا يرون أحلاما في مناماتهم ؟
لكن ليس شرطا أن الذين لا يحلمون ليلاً هم أناس لا يحلمون في الواقع ؟ لأن النوم إذا احتُمل بلا حلم فلا يمكن احتمال الحياة دون حلم يداعب مخيلتنا ويجعلنا نصبر على قسوة تقلبات الأيام وصروفها، وإذا وجد كثيرون لا يسعون إلى تفسير أحلامهم عند المفسرين والمعبرين، فلا أظن أن هناك من لا يسعى لتحقيق حلمه مهما كانت قسوة الواقع، أما الاعتذار بالواقع القاسي باعتباره سببا لترك الأحلام والتخلي عنها فدليل على عدم الإيمان بالحلم لا الإيمان بقسوة الواقع، حيث إن الواقع صعب دائما في موازاة الحلم.


ayya-222@hotmail.com