اقترب عرس الإمارات الجميل، واقتربت لحظة احتفال دولتنا الغالية بمسيرة أربعين عاماً من الوحدة، ولأن الإنجاز كبير، والحدث عظيم، فللاحتفال هذا العام نكهة أخرى غير التي كنا نعيشها كل سنة. منذ أسبوعين والأعلام تكثر وتزهو فوق البيوت، تتزايد يوماً بعد آخر، وقتاً بعد وقت، تمر صباحاً في الشارع لتصافح عيناك الأعلام على ثلاثة بيوت، وحينما تعود من عملك تجد العدد ازداد إلى ستة، في الصباح التالي تكون كل البيوت اكتست بالعلم الجميل. سباق بين الناس للاحتفاء بالمناسبة، غبطة تشعر بها وأنت تراقب البيوت التي تزدهي بالأعلام، والمواطنون يبحثون عن الرقم (40) ليصوروه ويرسلوا الصورة إلى موقع الاحتفالات، والشباب يبحثون عن دبابيس روح الاتحاد، والأمهات يخبزن حلويات خاصة بالمناسبة. الوطن خلية نحل كبيرة للاحتفاء بالإنجاز، هذا الذي لامسناه وشعرنا به، كبرنا وكبرت معنا الشوارع والبيوت والشجيرات، كبرنا فتوسعت المطارات والأسواق والمستشفيات والجامعات، كبرنا والدولة تكبر. عشنا الإنجاز وعرفنا تفاصيله، فهو الذي احتوانا، وهو الذي كان لنا دوماً إحساس الأمان. جيل الاتحاد في بداياته، عاش عمراً مختلفاً عن أجيال الألفية الجديدة، فقد لمس نمو الأشياء في وطنه، نمو المدينة التي كانت خمسة شوارع وبحراً، وأصبحت حاضرة للمدن حولها، نمو القرية الصغيرة ذات الدكان الواحد، وكيف صارت مدينة عصرية، نمو الضاحية التي لم يكن بها سوى عيادة صغيرة، وكيف أضحت مستشفياتها تواكب المستشفيات العالمية. رأينا الدروب التي تحولت من طريق ذي حارتين إلى شارع بثماني حارات واسعة، درسنا في المدارس البسيطة التي كانت مبنى أرضياً صغيراً بساحة إسمنتية مكشوفة، وشاهدنا أبناءنا يدرسون في مدارس من عدة طوابق ذات تجهيزات علمية ننبهر حين نراها. راقبنا أحلامنا حول الوطن تكبر، رأينا الشواطئ البسيطة، وقد أصبحت كورنيشاً ترفيهياً مكتمل المعالم، تسوقنا من السوق القديم ذي الدكاكين الصغيرة والردهات الضيقة، وصرنا اليوم نتجول في أفخم «المولات» وتتسابق العلامات التجارية لتدخل أسواقنا. عرفنا عن الوطن أكثر من مجرد التفاصيل التي نقرأها في الكتيبات السياحية أو نراها في الإعلام، هذا الوطن عاصرنا وعاصرناه، تربينا على يد الأجيال التي عاشت فيه أيام القحط والضيم وعشنا تفاصيلهم فعرفنا الكثير من معاناتهم. علمونا أن الكهرباء نعمة لم يعرفوها، وأن الماء العذب في الأنابيب نعمة فقدوها، وأن علاج المستشفيات نعمة كانوا يجاهدون ليحصلوا عليها، عرفنا منهم أن أهم النعم وأفضلها وطن متناثر اتحد في كيان واحد، قادة اجتمعوا ليكونوا أصحاب رأي واحد، وأن ذاك الإنجاز الذي بدأ عام 1971 هو النعمة الأكبر، وأن اليوم الذي ارتفع فيه علم الإمارات العربية المتحدة خفاقاً لأول مرة كان هو التغيير الحقيقي لحياة الإنسان، وأن كل يوم يمر على هذا الوطن يزداد الإنجاز عمقاً وتأثيراً وإبهاراً فيه، وأن إدراكنا له هو روح الاتحاد الحقيقية.