تعتبر المكتبة العمود الفقري في حياة طالب الجامعة، فهو يقضي الجزء الأكبر المتبقي من يومه الدراسي خارج قاعات الدرس فيها، هذا هو المفروض، وهو ما يحدث في المجتمعات التي تنظر للتراكم المعرفي لدى الطالب باهتمام وتقدير، ولذلك فإن المكتبات تحظى بنظرة تبجيلية أولاً، وباهتمام أكاديمي ومجتمعي ثانياً، وبتطوير وتحديث مستمر ثالثاً يجعل الطالب لا يفتقد أي كتاب يشير إليه أستاذه في قاعة الدرس أو يحتاج إليه لأغراض البحث العلمي أو القراءة الحرة، للأسف فان هذه الذهنية غير متوافرة في مجتمعاتنا الخليجية والعربية بشكل عام خاصة حين يتعلق الأمر بالكتاب العربي!
التعامل مع موضوع المكتبة كقيمة وكرمز لم نستطع أن نبلوره بعد في حياتنا العامة وبالتالي في حياة أبنائنا وطلابنا، ولذلك فإن الطالب حين يشير إليه أستاذه في المدرسة الثانوية أو في الجامعة بإجراء بحث علمي كأحد متطلبات المادة العلمية التي يدرسها وكأحد الواجبات الضرورية، فإن أغلب طلابنا يسارعون إلى زملائهم السابقين لنجدتهم وإمدادهم بنسخ من تلك الأبحاث التي قدموها منذ سنوات للأستاذ نفسه ربما، وللأسف فان بعض الأساتذة – حتى لا نقول معظمهم – لا يلتفتون إلى هذه الأبحاث إلا كأوراق روتينية يقدمها الطالب مقابل درجات يحتسبونها له دون أن يفحصوا تلك الأبحاث أو حتى يلقوا عليها نظرة سريعة.

البحث العلمي واحد من الأمور الجوهرية التي تميز المجتمعات الغربية المتقدمة علينا، وهو أحد أسباب نهضة أوروبا والولايات المتحدة واليابان وكثير من المجتمعات، حيث ترصد له ميزانيات ضخمة ضمن الميزانيات العامة للدول وضمن ميزانيات المؤسسات العلمية والجامعات العريقة التي تتميز الواحدة منها عن الأخرى بمجموعة ونوعية الأبحاث التي تجريها والباحثين الذين يعملون في مختبراتها وأقسامها المختلفة، كما يتميز الأستاذ الجامعي بأبحاثه التي يقدمها سنويا أمام المجامع والمحافل العلمية أكثر مما يتباهى بأي أمر ثانوي آخر.

إن الأبحاث العلمية والاجتماعية الرصينة تعد واحدة من المعايير العالمية المعتد بها عند النظر إلى تفوق وتميز الجامعات على مستوى العالم ومن هنا نفهم لماذا لم تحو قائمة أفضل خمسمائة جامعة على مستوى العالم على أي اسم لجامعة عربية بينما ضمت اسمين لجامعتين إسرائيليتين ذلك أن إسرائيل تنفق الكثير على البحث العلمي قياسا بالدول العربية التي لا تنفق شيئا مقارنة مع ما تنفقه على الرياضة وكرة القدم والفن والفنانين.

إن هذه المجتمعات المتقدمة والتي ترصد مليارات الدولارات على الأبحاث العلمية تغرس في نفوس طلابها قيمة البحث العلمي، وتعلمهم المعايير والشروط العلمية والأخلاقية لهذه البحوث، بمعنى أنها تكرس لديهم ذهنية البحث والتجريب والنقد الموضوعي، ولذلك فإن الفارق الحضاري بيننا وبينهم هو فارق في الذهنية وليس في المظهر والملبس ودرجة الثراء ... وهذا يقتضي أن نلتفت إلى تربية هذه الذهنية لدى طلابنا في الجامعات والمدارس الثانوية، والتنبه إلى تجارة ـ البحث ـ التي يتزعمها كثيرون يبيعون الأبحاث “العلمية “ بالكيلو والجرام كما تباع البطاطا والطماطم.

وبما أن فاقد الشيء لا يعطيه نظرية صحيحة فان الأستاذ أو المعلم الذي يفتقد منهجية التفكير العلمي لا يمكنه أن يخرج طلابا يهتمون بهذا العلم، وهي مسألة يتوجب على أهل التربية بحثها جيدا بعيدا عن فرضها بالقوة كعقاب على المعلم والطالب معا !!


ayya-222@hotmail.com