من منا يبحث عن براءته ويعلن عن افتقادها أو حتى يسعى لاستردادها في حال طال فقدانها وغيابها الذي منه قد لا تعود؟ وهل منا من يفكر في تلك الدقائق الحاسمة ويستطيع القول بكل تأكيد ويقين: في تلك اللحظة فقدت براءتي؟ هل يتساءل مرتكبو الجرائم عن نعومة أصابع الأطفال الذين يقتلونهم؟ أو عن البهجة التي يصنعها هؤلاء الأبرياء حتى وإن كانت ملابسهم مهترئة ورائحتهم لا تمت إلى العبير بصلة؟ هل يخطر في بالنا تصور براءتنا ونقائها بالمقارنة مع سالبيها؟ من منا أسترد براءته وهل غيرت مفاهيم حياته رجوعها إليه؟ نعم، هذه بعض التساؤلات التي راودتني وأنا في طريقي لتبديل زيت سيارتي. والطريف من هذا كله أن وصلتني رسالة نصية على جهاز «التوتة السوداء» تحتوي على ما لا يقل عن خمسين نكتة كان أبطالها جميعاً «محششين» فقلت هذه «أم الفرص» فعزلت جسدي في زاوية منيرة وصرت أفكر بهدوء رغم «حشرة شيشة البترول» باحثة عن العلاقة التي تربط البراءة بـ «المحشش» بطل نكات اليوم.

نحن نقبل وبلا أدنى تردد، ونقهقه مع النكات الكثيرة والمتنوعة الطرح، والمعقدة الظروف، وننفعل مع رد فعل أبطالها «الحشاشين» وما زلت أفكر في صيغة النكات التي تبدأ بـ«محشش» أي شخص تحت تأثير المخدر، فنحن نقبل التخلي عن الواقع وتطبيع علاقة نراها مجدية مع الهاربين من لوعة الحقيقة، فنعتبر ضحكنا على تصرفاتهم مصدراً نجدد به طاقاتنا الكامنة. وتنتهي براءتنا عندما تزحف العبارات من النكتة إلى واقعنا، فننعت الآخرين بذلك عندما يسرحون أو عند ما لا يسمعون ما تفوهنا به. إن التعايش مع وضعية المخدرين يجعلنا متعاطفين مع النكات التي تنتهك براءتنا لرغبة خفية لدينا، فنضحك على تجاوزها المنطق، ولاستخدامها الضحك كمفتاح سحري يملك القدرة على اختراق أتعس مواقع الألم فينا.

لماذا تضحكنا نكات كهذه: «محشش طلق حرمته قال لها زعلتي !» و«محشش قالوا له شو رأيك في الزواج المبكر.. قال لهم يعني الساعة كم؟» و«محشش يطالع المنظرة وفوق عينه حبة خال قال والله ما أدري هذي عين والاّ غين؟» وغيرها الكثير. إن دخول الحشيش في مبادئ تمس العقيدة، قدسية الزواج، تفاصيل الحياة الاجتماعية والقوانين المدنية السارية لخطر يهدد كياننا وهويتنا الوطنية، وهو بلا أدنى شك بعيد عن البراءة أيما بعد. وليت من يروج أو يستأنس بهذه الدعابات يعي تاريخ حشاشين القرون الوسطى وممارساتهم وحملاتهم الدعائية التي أسهمت في تقلبات الأوضاع واختلال توازن الخلافة الإسلامية وما تلاها من أمور، فتحاشيت الكثير ولخصت حواري مع الذات بأن في تطاول المحرم على الجميل هلاك للجميع.

وتعثرت الأفكار وتاهت قطاراتها فسمعت نداء خافت «مداّم.. سيارة ريدّي» فضحكت لإدراكي إن براءة تفكيري أخذتني إلى عالم بديع وجريء اسمه «أنا».


bilkhair@hotmail.com