نستقبل عاماً هجرياً جديداً، لم يكن ليتذكره الكثيرون منا، لولا بحثهم عن يوم إجازة بالمناسبة، ضاعت عليهم، لأن اليوم الأول من العام الهجري الجديد صادف يوم عطلة أسبوعية، ولا تعويض عن ذلك اليوم. ولأن قدر المناسبة أن تمر بصمت بعيداً عن الصخب الذي يواكب نظيرتها الميلادية، كان حريا بالدوائر المختصة وفي مقدمتها “الشؤون الإسلامية والأوقاف” أن تعطيها حقها بدلاً من الاحتفال اليتيم الذي تقيمه، وعجلت بإقامته 24 ساعة حتى لا تتأثر برامج العطلة الأسبوعية للموظفين.
حق المناسبة الجليلة علينا كبير، فهي ليست مجرد إجازة يوم، ولكن بها من العبر والدروس والقيم ما نحن في أمس الحاجة إليه، وديننا الحنيف يتعرض لأكبر تشويه على يد فئة من المحسوبين عليه. أولئك الذين يريدون أن يسلبوا العقيدة جوهرها النقي السمح الذي يقوم على حسن التعامل مع الآخر، وحسن التعايش والتسامح ورفض الإقصاء، وتكاتف جميع فئات المجتمع من دون تمييز، واحترام وتقدير إسهامات كل تلك الفئات من دون تفرقة بين فئة وأخرى.
لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة المنورة بداية عهد جديد، وضع معها خاتم الأنبياء والمرسلين قواعد بناء الانطلاقة القوية لدين الحق في مشارق الأرض ومغاربها بالدعوة الحسنة والمعاملة الطيبة. وهي مناسبة لاستلهام عزائم الصبر والتعاون والقوة في بناء المجتمعات والدول، بناء يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، واحترام الاختلاف الذي عرفه مجتمع المدينة.
اليوم للأسف بعض الفئات المحسوبة علينا والتي تتخذ من الإسلام ستارا لبرامجها المريبة تنكر ذلك، ليس هذا فحسب، بل ذهبت مجاميع منها لحدود بعيدة في رفضها المتطرف لدرجة هدر دم من يختلف معها. وظهرت في عدد من المجتمعات العربية والإسلامية مجاميع تتستر بالدين الحنيف ولكنها تتعطش للدم، وتشق عصا الطاعة، ولا تتورع عن ترويع الآمنين والمستأمنين في تلك المجتمعات، وهي تعتاش على الدم والدمار للوصول لمراميها التضليلية. فممارساتها من أبشع وأفدح صور التشويه الذي لحق بالإسلام والمسلمين في هذا العصر، الأمر الذي يتطلب من كافة الهيئات المعنية سواء في دوائر الأوقاف أو التربية والتعليم وغيرها بذل جهود غير اعتيادية للوقوف في وجه هذه الفئات الظلامية وما تروج له من فتن وأحقاد. وهي تحاول أن تمتطي ما يدور من أحداث حولنا وتجييرها لصالح خططها ومكائدها لنفث تلك السموم، باسم الإسلام الذي هو من أفعالهم براء. وعلى هذه الجهات تطوير خطابها لمواجهة أطروحات التضليل والمغالطات، بإبراز قيم الوسطية والاعتدال وحسن التعايش والتعاون التي أكد عليها الخالق جل وعلا في قرآنه المجيد، وحض عليها نبي الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام، سلوكا يوميا في مجتمع المدينة المنورة في هجرته المباركة التي نحتفي اليوم بها. ونحتفي بالقواعد الطيبة المباركة التي قام عليها هذا البناء الطيب منذ 1433 عاماً.
ونحن نستقبل العام الهجري الجديد، نسأل الله أن يديم علينا نعم الأمن والأمان والاستقرار في إمارات المحبة والعطاء، ويديم عليها التقدم والرخاء والازدهار بقيادة خليفة الخير وإخوانه الميامين. وكل عام والجميع بخير.


ali.alamodi@admedia.ae