ستعقد اجتماعات القمة العربية وستنفض، وإن تعددت العواصم والمدن، وإن اختلفت المسميات، وتنوعت الشعارات، وإن اكتمل النصاب وضعف التمثيل، وإن تلاسن العرب فيها أو لم يتلاسنوا، وإن أشادت وسائل الإعلام العربية بنجاح المؤتمر رسمياً، وعلقت أوساط سياسية بإخفاقه شعبياً، وإن قرروا ترك الكثير من المسائل العالقة للمؤتمر القادم، وإن ظهرت بيانات الشجب والتنديد والاستنكار، فالشيء الأكيد والوحيد والثابت أن المستوطنات الإسرائيلية وحدها التي ستظهر وتكثر، وأن خنق المقدسيين وحده الذي سيزداد وسيتواصل، وأن مشروع تهويد القدس وحده الذي سيكبر ويتحقق، ولا خطوة عملية على الأرض إلا تلك الجرارات الزاحفة نحو البيوت القديمة، وتلك الحفارات التي تخلخل أعمدة بناء السكان الأولين، ونتنياهو يستبق الجميع، ويؤكد في رسائله العلنية أو تلك التي تصل من خلال الأطراف الدبلوماسية المختلفة، أن القدس قرار إسرائيل الأبدي، وتعويذة بقائها، وإن كان السماح فيما مضى بالتقسيم وشطر المدينة شطرين، فاليوم قدس موحدة، ومختار سكانها، ومباركة دورها، ولا وجود أو تواجد عربي فيها، والمستقبل كفيل بالباقي، وقادر حتى على محو الأثر، ورقيم التاريخ. بين خطوة إسرائيلية على أرض الواقع، وخطوات عربية في سماء الحلم، بين صاحب حق ضعيف وغير مبادر، ومغتصب قادر وفاعل، بين ضغط وتحرك إسرائيلي في الداخل والخارج، وبين انقسام فلسطيني- فلسطيني في الداخل، واختلاف عربي- عربي في الخارج تدور قضية القدس، ولا أمل في الأفق، ولا بوادر تبشر بالخير. فهل سينتظر العرب جواباً من مدينة سرت الليبية التي تحتضن مؤتمر القمة العربية التي تم التوافق على تسميتها “قمة دعم صمود القدس” أم أن الوهن العربي بلغ مداه، والمواطن العربي غائب عنها ومغيّب، ولا تفاعل حقيقياً بين ما يجري في أعلى القمة وقاع المجتمع العربي، فالشوارع تجد فيها المكدودين والكادحين والممزقين والباحثين عن الرغيف، ولا أحد يحمل جريدة أو أحد ينزوي في ركن من المقهى يقرأ كتاباً، ويمكن أن يحدّث آخرين عنه في غفلة من عين المخبر الجاثم كزبون دائم وغير مرحب به في المقهى كثيراً، ويعرفه الجميع أو أحد ينصت لنشرة أخبار المساء، تلك التي كانت تشعل البيت العربي من محيطه إلى بحره البعيد، حتى شوارع العواصم السياسية العربية العتيقة بهت بريقها، وذهب الزمن برونقها، وما عادت تضيء فيها غير مصابيح النيون لمحال الملابس والأحذية والحقائب النسائية وعصير العرقسوس. مطلوب فقط من مؤتمر سرت أن يعرف العرب والعالم ماهو الموقف الذي سيجمع عليه العرب ويتحركون بموجبه في حال فشلت” الجهود الأميركية والدولية لوقف الاستيطان الإسرائيلي، وعدم التوصل لحل الدولة الفلسطينية”!