يتحدث تزفيتان تودوروف لمناسبة بلوغه السبعين وصدور كتابه الجديد: الإمضاء البشري دراسات 1983 ـ 2008 عن أبرز مفاصل حياته منذ ولادته في صوفيا 1939 وهجرته إلى فرنسا وهو في الرابعة والعشرين وانخراطه في المشهد الثقافي الفرنسي مصطفاً إلى جانب رولان بارت وجينيت وكرستيفا والنصيين البنيويين واللسانيين والأنثروبوليجيين ثم حصوله على الجنسية الفرنسية بعد عشر سنوات من هجرته التي سجّل فيها موقفاً من النظام الشيوعي في بلده الأم، يختار في الإمضاء البشري الكتابة عن شخصيات استثنائية من بينهم: إدوارد سعيد، رومان جاكوبسون، باختين، فوكو، ستاندال، وغوته وسواهم، لكنه لا ينسى طعم المنفى الذي اصطبغت به شخصيته وصولاً إلى الاغتراب كما جسّده كتابه المترجم إلى العربية “نحن والآخرون” وماكتبه عن الخوف من الأجانب والعلاقة مع الآخر والتداخل الثقافي، لكن ما يضيف إلى حياته ويكشف مناطقها المختبئة هو أثره الشخصي في حياته على الإنساني، أو الحياتي على المعرفي، ففي تلك المقابلة التي تمت معه أواخر العام الفائت (ترجمها إلى العربية سعيد بوخليط في “القدس العربي” 24-1-2010) يؤكد تودوروف أن المعرفة جعلته ينجذب نحو فهم أنواع سلوك البشر كما هي في ذاتها، وليس مجرد الاكتفاء بحالات تعبيرهم وذلك يقربه من تيار الأنسية، أو التقليد الفلسفي القائم على نزعة إنسانية، ويوجهه صوب البحث في طبيعة الاختيارات الإنسانية: السياسية، الأخلاقية والاجتماعية، وتلك المواقف التي يتبناها البشر في مواجهة تحدياتهم الوجودية. عند هذه النقطة لا ينفصل تودوروف كثيراً عن قناعاته البنيوية الأولى التي استوعبتها أبحاثه في السرد وأنظمة الحكي المنعزلة عن الارتباط الآلي أو الانعكاسي بحياة الكاتب مثلا، فهو لا يزال يؤمن بأن “الحياة بدورها عمل. كما، أن حياتنا ليست إلا سلسلة آثار، بعضها شفوي والآخر سلوكي، والتفاعل بينهما دال جدا”. لكن ما يفعله الإنسان في حياته ليس البناء دوماً، فهو يهدم غالباً حياة سواه بدعوى حماية الذات، وذلك يجعل تودوروف بعد تلك التجربة الحياتية والعيش في عالمين ونظامين، والانصراف لفحص تجليات البنى الفكرية في الملفوظات الأدبية يصرح بأنه لا يعتقد “بوجود شر كوني وراسخ. رغم أننا نعثر على مختلف تمظهراته في كل حقبة تاريخية. فأقبح الجرائم، ارتُكبت بدواعي حماية ذواتنا في مواجهة تهديد ينبعث من مكان آخر”. وإزاء هذه الجرائم لا يتردد بمعاهدة قارئه بالقول “بكل ما أستطيعه من قوتي ـ رغم ضعفها ـ أسعى إلى مقاومة الشر. لذا، أتملى تمظهراته وكيفيات التصدي لها. وفق هذه الدلالة، بقيت قريباً من أفكار الأنوار: أقاوم الشر بواسطة المعرفة”. الشر الموجود على الأرض والمتشظي في السلوك والنظريات معا يدفع تودوروف إلى الكتابة عن بؤر الحرب التي تمثل أوضح تجليات الشر في المواقف الإنسانية والحياة التي لا تجد أمنها وسلامها إلا باحترام حرية الكائن البشري واختياراته وخصوصيته.