تشكل المباني القديمة والملابس والأكل والادوات والأواني والكماليات التي استخدمها الانسان الإماراتي قديماً، مصدراً مهماً وملهماً للأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية المحلية وحتى في الأعمال الادبية كالرواية والقصة القصيرة، وذلك لأنها تمثل مرجعاً أساسياً عند الشروع في إنجاز تلك الأعمال الإبداعية، فعلى سبيل المثال من غير المعقول أن تتمحور قصة ما في فيلم من الأفلام المحلية حول مرحلة زمنية من تاريح الإمارات فيما الكثير من تفاصيل الفيلم تدور في مرحلة مغايرة ومخالفة لتلك المرحلة، ويبدو ذلك جلياً في الملابس المستخدمة أو الكماليات الأخرى، وكذلك المباني. ولتجنب الأخطاء في استخدام اكسسوارات الأفلام والمسلسلات، وحتى عند السرد الروائي والقصصي للمراحل القديمة، تكون العودة إلى المتاحف والأرشيف الكتابي والشفهي عاملاً مهماً لتجنب الكثير من تلك الأخطاء وعدم الاعتماد على ذاكرة كاتب السيناريو أو المخرج الشخصية فقط، ففي كتابة العمل الدرامي تلفزيونياً كان أم سينمائياً من المهم توضيح المرحلة التي تسير فيها الأحداث ومن المهم أيضاً تحري الدقة حتى في أصغر التفاصيل، ليتم تقديم زمن الحدث بدقة عالية من خلالها يطرح ويعالج الكاتب والمخرج القضية أو الحكاية التي يقدمها للمشاهد. وفيما يحتاج الإبداع إلى الماضي، يحتاج إنسان الحاضر أيضاً إلى هذا الماضي، كي يجعله متزناً من خلال تصور مكانه، كيف كان وكيف تبدل، كيف عاش أهله وكيف لبسوا وأكلوا وسكنوا، كيف رقصوا وغنوا وحبوا، كيف عانوا وشغفوا وناضلوا، كيف انتصروا وهزموا وحتى كيف ماتوا؟ فمن هنا نقدر كثيراً الجهود التي بذلت ومازالت تبذل من قبل العديد من المؤسسات الخدمية والثقافية من أجل الحفاظ على الماضي بكل أشكاله المتعددة من خلال عمليات الترميم الدائمة والمستمرة للبيوت والفرجان والأسواق القديمة، وكذلك عمليات الجمع والتوثيق للعديد من المناحي الحياتية لسكان دولة الإمارات.. ولكن في الوقت نفسه نعيب على مؤسسات أخرى إهمالها الشديد لتفاصيل من ذلك الماضي الذي يعود إلى أكثر من مائة سنة ويحتوى الكثير من حياة إنسان الامارات، وهو إهمال إلى حد أن هناك فرجان أبيدت عن بكرة أبيها وأخرى نَهشت أسنان البلدوزر الحادة أجزاء من جدرانها، إنه فعل يصيب بالحزن والحسرة؛ فكم هو مؤلم أن تمر في الحي الذي ولدت فيه ولا تجد أي أثر لطفولتك بين الأزقة وبين الجدران القديمة، أن تمر على المكان الذي تعلمت فيه كتابة الحرف الأول وقراءة الكلمة الأولى ولا تراه إلا موقفاً للسيارات، حيث اتسعت المدينة حد إنها اعتدت على جدران روضة أو مدرسة. كم كان عظيماً لو أن كل تلك الفرجان القديمة قد رممت وأعيد الاعتناء بكل تفاصيلها ليكون بعض بيوتها كمتاحف تحفظ سيرة من الزمن القديم بملابسه وأوانيه وديكوراته وأمثاله وحتى أشعاره، ولكي لا تموت الحياة في تلك الأماكن القديمة يجب أن تحول تلك البيوت إلى فنادق سياحية صغيرة تستقبل القادمين من البعيد إلى مكاننا وكذلك تكون مزاراً للأجيال الجديدة كي ترتوي بصدى السنين وجمالها، وللأجيال القديمة كي ترتوي بالحب والحنين حين تحاصرهم الوحشة.. كل ذلك مع الحفاظ على كل تفاصيلها القديمة، وأن يكون بعضها مجمعات فنية صغيرة تقدم فيها أمسيات شعرية وموسيقية وتحتضن معارض تشكيلية وورشاً فنية. من هنا على وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع مسؤولية القيام بدور كبير في هذا الشأن، أن توحد تحت مظلتها كل جهود التوثيق والترميم في مختلف أنحاء الدولة لتنسج بهاء الماضي بإشراقة الحاضر. سعد جمعة | saadj mah@hotmail.com