يصبح التعميم ضرباً من المبالغة يصل أحياناً إلى الانتقاص من قيمة الرأي وصاحبه، ولذا فإننا لن نعمم، لكننا نبحث ونتساءل بهدف الوصول إلى إجابة شافية ومنطقية على هذا السؤال : لماذا تخلى كثير من الرجال عن مسؤولياتهم تجاه أسرهم وأوكلوا كل المسؤوليات على عاتق النساء أي الزوجات ؟ هل حدث ذلك باتفاق ضمني بين الزوج والزوجة ؟ أم أن المرأة اضطرت لأخذ زمام المبادرة نتيجة انسحاب الرجل (ليس كل الرجال طبعاً) من ميدان المسؤولية بشكل نهائي ؟ إنها ظاهرة اجتماعية حقيقية وبحاجة لبحث مستفيض ودراسات معمقة، وهنا فنحن نتحدث عن الرجال الإماراتيين، وإن كنا نقرأ ونسمع أن الظاهرة منتشرة بين رجال العالم العربي كله، على اعتبار أن العالم الأجنبي لديه معايير مختلفة فيما يتعلق بتقاسم المسؤوليات ابتداءً بدفع قيمة فنجان القهوة كل على حدة إذا ما جلس الزوجان على أي مقهى، وانتهاء بتقاسم الممتلكات إذا تطلقا. نحن هنا نتحدث عن من يعنوننا، عن كثير من الرجال في مجتمع الإمارات، هل هي استقالة اختيارية من دور المسؤولية الثقيل أم هو نوع من ردة الفعل الرافضة لمكتسبات المرأة في الحياة المعاصرة ؟ بمعنى هل يعاقب الرجل المرأة على ما حققته لنفسها من مكتسبات في التعليم والعمل والراتب والاستقلالية الاقتصادية وعلى نطاق قوة الشخصية وحرية التعبير، فيحملها أعباء أخرى هي من صميم مسؤولياته، اعتراضاً على حقوق هو في صميم ذهنيته الشرقية غير موافق عليها؟ لا أتحدث انطلاقاً من أي عقد ـ كما قد يسارع بعض الرجال إلى الاعتقاد ـ ولكنني أتحدث من منطلق تجارب ومعايشات أتلمسها يومياً وأراها وأحزن على زمن الرجل الجميل ! الرجل الجميل، ذلك الأب القاسي الحنون، والزوج واضح الشدة لكنه الحريص، المتفاني في خدمة بيته، والأخ المساند والمحب، والابن الشهم الودود، ذلك الزمن الذي كانت فيه المرأة تعمل في حدود صلاحياتها ومسؤولياتها ، بينما يتحمل الرجل ما عليه من مسؤوليات دون أدنى تقصير، بل بكثير من الكبرياء والرجولة، فأين ذهب أولئك الرجال؟ المرأة التي أراها اليوم ـ ليس بعمومها ولكن على نطاق واسع في الحياة ـ تشكو كثرة المسؤوليات وتخلي الرجل عن دوره في المنزل، فهي من يذاكر للأولاد، ومن يعتني بتفاصيل تربيتهم وتوجيههم، توصلهم إلى المدرسة، وتذهب لإحضارهم منها، تطعمهم، تشتري ملابسهم، تذهب بهم إلى أماكن الترفيه، إلى بيوت الأهل، تسافر بهم ومعهم، تشتري لوازم المنزل، تدفع راتب الخادمة وأقساط المدرسة، وأجرة كل الإصلاحات والأعطال التي قد تحدث بشكل مفاجئ في المنزل، تبادر إلى تغيير أثاث المنزل كلما اقتضت الحال، وتذهب لتغيير زيت محرك السيارة وتجديد الترخيص والتأمين، برغم وجود زوج يرتع ويمرح داخل المنزل وخارجه من دون أن يقول لها: تفضلي استريحي ودعيني أنجز هذه المهام عنك! فهل هناك أسباب حقيقية لسلوكيات كثير من الرجال تجاه زوجاتهم وأبنائهم، والتي لا تخرج عن أن توصف بعدم المسؤولية أو الأنانية في جانب منها؟ هل هناك أعباء جديدة وقعت على كاهل رجال الأرض من دون أن تعلم النساء بخلاف العمل والوظيفة وانشغالات الأصدقاء والتسكع في المراكز ومتابعة نساء العالمين؟ ربما هي انشغالات غير عادية، لكن من غير العادي أن تتحمل المرأة وزر ذلك، فالذي يدفع الثمن في النهاية هي الأسرة كبنية مجتمع نحن أحوج ما نكون إلى تماسكها وترابط العلاقات داخلها. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com