كان حلم حياتي أن أرث مكانة طه حسين، فانتهى بي المطاف إلى الوصول إلى رئاسة قسم اللغة العربية في كلية الآداب ـ جامعة القاهرة التي كانت تزهو به. ولاأزال على يقين أن هذا المنصب كان ولايزال أهم منصب شغلته في حياتي في الفترة من 1989 إلى سنة 1993، حين قبلت العمل أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة الذي كان طه حسين أحد أعمدته منذ تأسيسه سنة 1955، إن لم تخني الذاكرة. وكان تأثري بطه حسين يؤكد في داخلي الدور الثقافي لأستاذ الجامعة، وأن هذا الدور ينبغي أن يمتد إلى خارج أسوار الجامعة، بحيث يكون لأستاذ الجامعة دور فاعل خارجها. وقد عبر طه حسين عن ذلك صراحة في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” الذي أصدره سنة 1938. ولذلك اندفعت منذ 1989 إلى العمل الثقافي العام، وعلى وجه الدقة قبل 89 بسنوات، وذلك منذ أن قبلت أن أكون ـ مع زميلي صلاح فضل ـ نائبي رئيس تحرير “فصول” أولى مجلات النقد الأدبي المتخصصة في مصر. وقد ظللت دينامو المجلة بعد رحيل صلاح فضل إلى إسبانيا ليصبح مستشارنا الثقافي. وقد نجحت هذه المجلة النقدية نجاحاً باهراً بفضل القيادة الحكيمة لرئيس التحرير عز الدين إسماعيل عليه رحمة الله. وكانت “فصول” مجلة دراسات متخصصة، فقد أردنا لها أن تكون بمثابة مدفعية ثقيلة للنقد الأدبي. وقد نجحت المجلة بالفعل في جذب كل المختصين والمهتمين بالنقد الأدبي، فحققت نجاحاً لم يتكرر. كانت المجلة أولى المجلات المتخصصة في النقد الأدبي، ويحق لها أن تفخر بتقديم جيل جديد، ضم محمد برادة ومحمد بنيس من المغرب، وحمادي صمود وعبدالسلام المسدي من تونس، ولحق بنا عبدالله الغذامي من السعودية الذي فرحت به وفريال غزول ومحسن الموسوي من العراق وعدد كبير من سوريا ولبنان أبرزهم الصديق كمال أبو ديب. وكان يجمع بيننا اتفاق مضمر على أهداف متقاربة: أولها هجرة النقد الانطباعي ونظريات التعبير مع النقد البياني التقليدي إلى مناهج النقد الحديثة البنيوية والهرمنيوطيقا والسميوطيقا وعلم اجتماع الأدب في نظرياته الأجد. ولحسن الحظ، كان أكثرهم عائداً من الخارج، ودرس في الولايات المتحدة وفرنسا التي كانت نقطة الانطلاق البنيوية، فضلاً عن ألمانيا التي قدمت نظريات الاستقبال والتلقي. وكان أبرز جيلي من المصريين صلاح فضل الذي سبق بنشر كتابه عن “النظرية البنائية في النقد الأدبي” وسيزا قاسم ونصر أبو زيد رحمه الله. وطبعاً، كان لا بد من مهاجمة “فصول” من ذوي الاتجاهات القديمة، وأطلقوا علينا ساخرين اسم نقاد الهرمنيوطيقا والسميوطيقا، ومع ذلك كانت أعداد توزيع المجلة فوق ما توقعناه. والمؤكد أن لغة النقد الأدبي قد تغيرت، فتمايز نقد ما قبل “فصول” وما بعد “فصول”. وكنا نزداد حماسة نتيجة الاستجابات الإيجابية على امتداد الوطن العربي، وتتوسع دائرة المساهمين معنا على نحو بهيج.