منذ سنوات بعيدة، تعرض صديق لي أُوفد إلى الدراسة في الولايات المتحدة، وقد اصطحب أسرته معه، لموقف لا يمكن أن ينساه أبداً، فذات مرة وتحت إلحاح صغيره الذي لم يتعد الأعوام الثلاثة، اضطر لأخذه معه في السيارة، وتوقف به عند كشك، حيث تركه داخل السيارة، وغاب لدقائق لإيداع معاملة، ولدى عودته لم يجد الطفل بداخلها، وعرف من بائعة في الكشك أن “الشرطة أنقذت الطفل الذي اعتقدت أنه مختطف، وقد حررته”. صاحبنا توجه لمقر الشرطة، حيث رأى صغيره الذي هرع باكياً لاحتضانه، وأعتقد أنه سيصحبه عائداً به إلى المنزل، إلا أن الشرطة رفضت تسليمه إياه ألا بعد أن يحضر شهادة تثبت انخراطه في دورة لرعاية الأطفال، وعليه أن يحضر أسبوعياً إلى مركز الشرطة لكي تتابع حسن انتظامه في الدورة وتقدمه فيها. استعيد هذه الواقعة في كل مرة تنشر الصحف ووسائل الإعلام عندنا أنباء تتعلق بحوادث لأطفال بسبب إهمال الكبار، وبالذات الوالدين أو أحدهما. وفي إحدى المرات تدخل مارة في مدينة امستردام الهولندية لإقناع متطوعة بعدم جرجرة سائح عربي إلى قسم الشرطة لأنه صرخ في وجه صغيره، وجره بقوة بعيداً عن منفذ لبيع حلوى ومثلجات كان يرغب الصغير بشيء منها، ولم يكن الرجل يستوعب وجود متطوعين ومتطوعات لديهم ضبطية قضائية للتعامل مع أي حالة أو موقف إساءة للأطفال قد يرونه، وعندما شعر السائح بأن الموقف قد يتطور لدرجة إفساد برنامجه السياحي، لم يجد بداً من الاعتذار وتبرير مسلكه بأنه منع الحلوى عن طفله حرصاً على صحته، لأنه كان يعاني بوادر نزلة برد. خلال الأيام القليلة الماضية، تابعنا حوادث سقوط أطفال من شرفات منازل، أو غرق في أحواض سباحة أو أوعية للماء، أو تسمم جراء تناول أدوية وعقاقير يفترض أن تكون بعيدة عن تناولهم، وغيرها من الحوادث المتكررة الناجمة عن لحظة غفلة متابعة ورعاية هؤلاء الأبرياء. بعض الأشخاص عندنا ينظر باستخفاف لحرص الآخرين على وضع خوذات السلامة لأطفالهم عند قيادات دراجاتهم على الكورنيش، من دون أن يدرك أهمية مثل هذا الإجراء في حماية صغير لا يستطيع حماية نفسه. ومن صور “التدليل الخطر”، تعريض بعض هؤلاء صغارهم لخطر داهم وهم يضعونهم في أحضانهم أثناء قيادتهم السيارة. إن مثل تلك الحوادث التي أشرت إليها، تكشف حاجة هذه الفئات من الآباء والأمهات لتذكيرهم بواجباتهم ومسؤولياتهم، ومحاسبتهم أيضاً. وقد قطعت الدولة شوطاً كبيراً من خلال المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في إعداد تشريعات واستراتيجيات متكاملة لحماية الطفولة، مطلوب تفعيلها بما يحقق الغايات النبيلة منها. كما كانت هناك مبادرات للتوسع في افتتاح حضانات الأطفال في مقار العمل من أجل يكون الطفل قريباً من أمه خلال فترة العمل، وقد كان أحدثها دار الحضانة الخاصة بالعاملات في وزارة شؤون الرئاسة، وكذلك إطلاق حملات توعوية بين الفينة والأخرى من شأنها أن تسهم في توسيع دائرة الوعي بالوسائل التي توفر الحماية للأطفال. وبانتظار مبادرات نوعية في هذا المجال، سلمتم وسلم فلذات أكبادكم. ali.alamodi@admedia.ae