في قضية خادمات المنازل، هناك إشكالية لم نتطرق إليها في مقال الأمس، خلاصتها انسحاب معظم ربات البيوت عندنا من أدوارهن المنزلية لمصلحة هؤلاء الفتيات، فالمطبخ كله صار من اختصاص الخادمة التي هي في الأساس أتت للمنزل دون أدنى معرفة، أوخبرة بعالم المطبخ وأبجدياته وفنونه، وتعلمت بطريقة التجربة والخطأ، تربية الأطفال والعناية بهم ونظافتهم الشخصية، وهنا فالمسألة دقيقة وحساسة حين يتعلق الأمر بالأطفال وشؤونهم الحساسة الخاصة، فهذه منطقة لا يجوز إهمالها، أو ترك الغرباء يتدخلون فيها بأي حال من الأحوال، كذلك أصبحت أمور اصطحاب الأطفال لحافلة المدرسة، أو للمدرسة بصحبة السائق من مهام الخادمة، خدمة الضيوف واستقبالهم، كل ماله علاقة بالتنظيف والترتيب والغسيل والكي يدخل أيضاً في مهام الخادمة.. السؤال: ماذا بقي لربة البيت التي هي صاحبة المملكة ومدبرة شؤونها؟ كثير من ربات البيوت سيعتبرن هذا الكلام موجهاً ضدهن، أو أنه يشكل مشروع إدانة ضمنياً لدورهن الفاعل في المجتمع، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك، فحين نبحث عن دور المرأة في بيتها، مقابل ما تنازلت عنه للخادمة، فإنما نكرس دورها أكثر، ونعيد إليها مقاليد القيادة في مملكتها، ليس من قبيل الكلام المسترسل والإنشائي والعاطفي، كما قد يتصور البعض، ولكن من كل ما نراه ونسمعه من تجاوزات الخادمات وتعدياتهن الأخلاقية على حرمة المنزل، بسبب جهلهن أو بسبب تفريطنا المبالغ في شؤوننا. الخادمات يعانين في المقابل من ضغوط الغربة والتأقلم مع مجتمع وثقافة مغايرة، كما يعانين من إغراءات مختلفة تعرض عليهن للهروب، والعمل في مسارات أخرى في مواجهة معاملة قد تكون فظة أحياناً ومشجعة على الهرب، وقد يكون الجشع سبب مهم لا علاقة له بتعامل أهل البيت الجيد مع الخادمة !! يصف أحد القراء هذه القضية، أو يلخصها من وجهة نظره قائلاً: “المشكلة هي أن الجيل الجديد من الخادمات لا يريد العمل، ويأتي للسياحة، أو يهرب للعمل بنظام الساعة المربح جداً، فمهما صبرت ربة البيت وعاملت الخادمة بإنسانية ورحمة، ماذا تفعل إن كانت لا تريد أداء أبسط المهام؟ يطلب منها بعض المهام، وتدرب عملياً عليها، وتعطى إرشادات متكررة وتعليمات واضحة، لكنها تتعمد تجاوز كل ما يقال لها من أجل افتعال المشكلة، وبالتالي الهرب من المنزل تحت ذريعة المعاملة السيئة، متناسية كل ما دفع من أموال لقاء جلبها، وضاربة عرض الحائط بعقد العمل المبرم بينها وبين العائلة ! الخادمة تريد راتبها كاملاً، وتريد بطاقة هاتف كل أسبوع ونحن نتكفل بطعامها وملبسها وعلاجها، مقابل أن تخدعنا ولا تقوم بواجباتها، فهل ذلك من العدالة في شيء ؟ الحاجز اللغوي ليس المشكلة، إنما عدم إخلاصهن في العمل بعد تعليمهن وإتقانهن لكافة تفاصيل العمل، لابد من جهة تتصدى لحل هذه الإشكالية الاجتماعية لأنها تعني تكلفة اقتصادية مضاعفة على العائلات دون أن يلتفت أحد إلا لحقوق الخادمات، وكأنه لا حقوق للعائلة المتضررة. ayya-222@hotmail.com