أسوأ ما يمكن أن يعطل العمل العام في المجتمع ويشتت الجهود التي يبذلها أصحاب المشاريع الخلاقة، هم جوقة أصحاب المصالح، وهؤلاء كثيرون بل وأكثر من الهم على القلب، هؤلاء حين تختلف معهم في الرأي يختلفون معك في نظرية النسبية لإينشتاين، وحين تجادلهم بالمنطق يتعاملون معك بمنطق سبقني وبكى، وحين تنتقد سلوكاً أو ظاهرة خاطئة بهدف الإصلاح والإصلاح لا غير، يحملون أعلاماً حمراء ويركضون في كل الاتجاهات ليقولوا إنك تنتقد البلد والمنجزات وبأنك لست سوى سلبي ومتخاذل ولولا بقية من الحياء - على ما اعتقد - لاتهموك بالخيانة العظمى !! يقولون في الأمثال “ كل داء له دواء إلا الحماقة أعيت من يداويها”، وهؤلاء نوعية، يندر أن يوجد مجتمع على وجه الأرض، لا يكونون علامة بارزة فيه، طبعاً علامة سيئة بالتأكيد ومعوق رئيسي من معوقات التقدم والتنمية والإصلاح، لكنهم دائماً وأبداً يجدون من يحتضنهم ويربت عليهم ويعاملهم معاملة خاصة حتى ينتهي مفعولهم أو صلاحية وجودهم وساعتها تلوح في الأفق بشائر ظهور مجموعة أخرى أكثر نضارة وتماشياً مع معطيات الزمن. دائماً ما يعاني هؤلاء الأشخاص، مركبات نقص كثيرة ومركبات فشل حقيقية، وغالباً ما يتعيشون ويتكسبون رزقهم من وراء بيع المواقف، ليس مواقف السيارات ولكن مواقف الولاء طبعاً، ولذلك فهم لا يعيشون إلا تحت عباءة البعض أو تحت إبطه كما نقول، موجودون بوجوده ومقضي عليهم من دون هذا الغطاء أو هذه المظلة، وللأسف فإن هؤلاء الأشخاص هم السبب في فقداننا لأعداد كثيرة من خيرة المبدعين والشرفاء والنبلاء في كل الوطن العربي، وللأسف أكثر فإنهم يجدون آذاناً صاغية في كل مرة، يهمون فيها بالقضاء على أحد المخلصين من أبناء الأمة. هالني ذات مرة، وأنا أقرأ نقداً موضوعياً لظاهرة إعلامية، كمية الدفاع المستميت عن المخطئين، وتصويرهم بأنهم الأخلص والأفضل، وبأنهم فعلوا وفعلوا، مع أن الأمر لم يكن فيه مساس بأشخاص، بقدر ما فيه نقد للأداء ولسيرورة عمل كانت متدنية وضعيفة أثناء وجود أشخاص بعينهم، فلماذا يدافع البعض عن الخطأ ولماذا يحمّل نفسه وزر شهادة زور حقيقية بتبني أصحاب الخطأ ؟ ليس سوى المصالح المشتركة كما قال البعض !! ستبقى المصالح الضيقة والذاتية والشخصية في عالمنا العربي بوصلة البعض، فهي الموجه لاتخاذ قرار بعينه وهي المقرر وهي القرار، في ظل غياب مؤسسات الرقابة الاجتماعية، وأولها الصحافة الحرة ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، فإذا حضرت الصحافة كانت غير فاعلة أو مغيبة أو مستلبة، وإذا حضرت مؤسسات المجتمع المدني كانت مصادرة من قبل البعض يوجهها حسب أهوائه ومصالحه، ثم يصر على أنها مؤسسات مجتمع مدني وهي أبعد ما تكون عن ذلك! فكيف تعتبر جمعية نفع عام معينة - أياً كانت - على أنها إحدى مؤسسات المجتمع المدني، إذا كان أعضاؤها لا يستطيعون انتقاد أدائها مثلاً؟ وكيف تكون مؤسسة مجتمع مدني والمجتمع غير معني بها سواء حضرت أو غابت؟ نحتاج إلى تفعيل واقع وأدوار مؤسسات المجتمع المدني ونحن نتحدث كل يوم عن الشفافية وحرية الرأي ومحاربة الفساد وغيرها من العناوين الكبيرة. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com