اليوم لم أجد ما أكتبه، ولا ما أفعله، فقررت أن أراقب أمراً ما كان يشغل بالي، وبال الكثيرات في الحي الذي نسكنه، كما أظنه يشغل بال آخرين في كل مكان، الحكاية حتى لا أطيل عليكم هي حكايتنا مع خادمات المنازل، أو كما يريد البعض من أصحاب دعوات حقوق الإنسان – وكنت أحدهم ذات يوم – أن يطلقوا عليهم العمالة المساندة، لا بأس في المسمى فهو أفضل إنسانياً من كلمة خادمة. على أي حال، في قضية عمالة المنازل أكثر من إشكالية تحتاج إلى تفكيك ودراسة وتحليل، فهي إشكالية مهمة وخطيرة، وأهم من قضايا أخرى يبحث فيها الكثيرون والكثيرات من محبي البحث العلمي. أنا أوجههم بالفعل وأدعوهم لبحث هذه الإشكالية المتمثلة في العلاقة الملتبسة والمتوترة وغير المتوازنة بين الأسر وبين خادمات المنازل – عفواً العمالة المساندة – فبمراقبة دقيقة وعن قرب للعلاقة، نجد أننا نستجلب فتيات من أقصى بقاع الدنيا، ومن بيئات تتسم بالفقر الشديد والأمية المرتفعة وبالافتقاد إلى ثقافة النظافة والترتيب وغير ذلك، إضافة لكون هؤلاء الفتيات يأتين من بيئات مغايرة تماماً ثقافياً ودينياً في معظم الأحوال، يتركن وراءهن قصصاً عائلية درامية بالفعل.. أبناء وحيدون، أمهات وآباء مرضى أو مقعدون، أزواج عاطلون عن العمل، وحين يأتين يقعن في خضم مشكلة التأقلم مع المجتمع الجديد. فماذا يحدث؟ لا أشك في أننا شعب في معظمه طيب، عاطفي، خير، متفاعل، إيجابي، انفعالي، لكننا أيضاً أصحاب مزاج حاد، ولدينا عادة سقف توقعات عال جداً، فنحن نتوقع من فتاة فقيرة، بسيطة، أمية لا تجيد الحديث سوى بلغتها التي لا نفقه منها نحن حرفاً واحداً، أن تمتلك ناصية لغتنا في أيام معدودة، وأن تفهم عندما نحدثها مباشرة، وإلا فالتهديد بالتسفير والمكتب وال... إلخ، وحين تعتصم بالبكاء خوفاً وهلعاً، تبدأ المشكلات ولا تنتهي سوى بحزم أمتعتها وإعادتها إلى المكتب؛ لأنها لا تفهم ولا تريد أن تتعلم. هذه الفتاة التي نطلب منها أن تنجز لنا أعمال تنظيف على أعلى المستويات التي نتوقعها، لا تمتلك في الحقيقة شيئاً من أبجديات النظافة في الغالب الأعم، وهي لم تر ولم تستعمل ما يقارب الـ95% مما تراه عندنا، والذي نطالبها بالتعامل معه وعدم تدميره، بينما تدمره هي ببساطة إما حنقاً على تعنيفنا لها وإما جهلاً لأنها لا تعرف كيف تستخدمه ولا ما أهميته، فهي على سبيل المثال لا تفهم ما ضرورة كي مناشف اليد التي توضع على حواف المغاسل، ولا لماذا يكوي الناس ملابسهم الداخلية، ولا لماذا ينظفون غرفهم كل يوم، بينما لا يستخدمونها سوى للنوم!! هؤلاء الفتيات يثرن الأعصاب، ويجلبن غضب ربات البيوت، ولا تتوقف المشاحنات واللعنات في كل لحظة يكسرن فيها شيئاً أو يحرقن أو يدمرن، فكيف يمكن إيقاف هذه المعاناة لكلا الطرفين، إذا سلمنا جدلاً بأننا مجتمعات لا تستطيع الاستغناء عن هذه العمالة، لكنها غير قادرة على تقبلها في الوقت نفسه، مما ينتج عن ذلك من أزمات تصل إلى حد أن تلجأ واحدة منهن لجز رأس مخدومتها قبل يومين من زفافها، كما حدث مؤخراً في الكويت... ونكمل غداً. ayya-222@hotmail.com