في أحد من المقاهي المنتشرة في أحد المراكز التجارية المفتوحة على الهواء الطلق والقريبة من منطقة تركز سكاني، جلست مجموعة من الشباب الصغار حول طاولة ودار بينهم الحديث التالي: الأول: لماذا يبدو كلامك غير إماراتي؟ ألست مواطناً ؟ الثاني : أنا مواطن غصباً عنك الثالث : لماذا تغضب من الحقيقة ؟ هو لم يقصد إغضابك لكن شكلك ولهجتك تدل على انك لست مواطناً فعلاً ؟ الأول : كل الشباب يقولون إن أمك ليست مواطنة، وانك ساكن في منطقة .......؟ الثاني : وهل هذا عيب؟ أمي أجنبية، وأبي مواطن فقير !! الأول : طيب يا ولد (....) لماذا لا تحاول أن تتدرب على اللهجة أنا بعطيك دروساً إذا كنت راغباً.. وفجأة تكهرب الجو بين المجموعة وتطايرت الشتائم، و”علقوا” الشباب في بعض !!!! هؤلاء الصغار يحتاجون للكثير ليتجاوزوا هذه الذهنية الشوفينية التي يدفعهم المجتمع والمحيط لها، يحتاجون لبرامج اجتماعية ومناهج تعليمية كثيرة ومتعددة تركز على قضية احترام الثقافات، وتقبل الآخر، فمن الواضح جداً أن ما ينقله الإعلام حول المجتمع المتسامح الذي يتقبل الآخر صار محل شك على الأقل بالنسبة للأجيال الصغيرة التي تتعمق فيها هذه العنصرية دون أن تشعر لكنها ـ اي هذه العنصرية ـ تقود المجتمع الى نتائج خطيرة أولاها وأبرزها ما صرنا نتابعه على صفحات الجرائد من أعمال عنف وجرائم مقلقة بالفعل. لا يفهم الصغار معنى الاختلاف الثقافي، ولا يدركون دلالة احترام الثقافات المختلفة عن ثقافتهم، وما لم يتربوا منذ الصغر على وجود الآخر المختلف، والذي يتوجب التعامل معه باحترام وثقة، فإنه لن يستطيع بناء علاقات متوازنة معه وسيظل ينظر له من خلال معطياته هو على اعتباره أقل منه وأنه هو الأفضل وهذا لا يقود لأي تطور بل على العكس يعكس الشوفينية والعنصرية والغرور الاجتماعي الذي جربته شعوب وحضارات على امتداد التاريخ فلم تجن منه غير الخسائر والانتكاسات !! على القائمين على أمر المناهج والتربية والتعليم وبرامج التوعية والإصلاح والتثقيف الاجتماعي أن يزيدوا من جرعات التوعية وغرس مفاهيم احترام الآخر اياً كان، فهذه واحدة من قيم التسامح الكبيرة التي قام عليها مجتمع الإمارات وعرف بها على مدى تاريخه حتى وان احتفظ أهله بتميزهم على مستوى الذات الخاصة بمعنى الاحتفاظ بمميزاتهم الثقافية والحضارية التي تميزهم تحافظ على تكوينهم ضد الذوبان والتلاشي، لكنهم لم يكونوا ابداً أصحاب نعرات أبداً. يحتاج هذا الجيل الصغير اليوم الذي ولد على أعتاب مرحلة تاريخية خطيرة من عمر التطور التاريخي للمنطقة بشكل عام أن يتربى بعيداً بعض الشيء عن إفرازات هذه المرحلة التي أشاعت قيماً ومفاهيم خطيرة كالعنصرية والطائفية والأنانية والشوفينية و.. غيرها، إن على الأسرة في المقام الأول أن تعمل على توفير هذه الحاجة لقيم التسامح لدى ابنائها قبل أن تدفع بهم الى الروضة والمدرسة والشارع والأصدقاء لأنه سيشكل الدعامة الرئيسية لعلاقته بكل هذه المتغيرات، أما إذا لم توفره الأسرة لأسباب موضوعية تتعلق بمستواها التعليمي أو الاقتصادي أو الثقافي، فإن من أهم واجبات الدولة والمجتمع العمل على توفيره لأنه بذلك يصون وحدته الداخلية ويحفظ أمنه الاجتماعي، ويقلل من مخاطر العنف بين الصغار الذين لا يعرفون معنى أن تكون شتائمهم ضغطاً على وتر من أكثر الأوتار حساسية وخطورة