كان طبيعياً أن أكتب اليوم عن بطل كأس الأمم الآسيوية الخامسة عشرة، ولكن حين شرعت في الكتابة، كان السؤال: ومن يكون البطل؟. وجاءت الإجابة سريعة: إنها قطر.. نعم هي التي فازت بجدارة حتى وإن خرج منتخبها من دور الثمانية، فما قدمته قطر للبطولة فوق الوصف، ومن زار المراكز الإعلامية التي تم إعدادها للإعلاميين يراها لا تقل بل تزيد على تلك التي تتولى ذات المهمة في بطولات عالمية. قطر تعيش هذه الأيام على إيقاع أفراح متتالية، فبعد أن فازت بحق تنظيم كأس العالم عام 2022، جاءتها بطولة الأمم الآسيوية ونظمتها كما يجب أن يكون، ومنذ يومين فازت أيضاً بحق تنظيم بطولة كأس العالم لكرة اليد عام 2015 بعد سباق تفوقت فيه كما كان الحال في السباق المونديالي على دول كبرى. لا شك أن أي إنجاز قطري هو إنجاز لكل العرب، وهو أيضاً إنجاز للقارة الآسيوية، ولا يمكن النظر إلى البطولة فقط من زاوية المباريات والنتائج، لأن ذلك فيه إجحاف بالأشقاء القطريين الذين بذلوا جهداً مضنياً ومقدراً من أجل الخروج بالبطولة إلى بر الأمان، حتى تكون علامة مضيئة في تاريخ البطولة الآسيوية، مثلما كانت “آسياد” الدوحة من قبل علامة في دورات الألعاب الآسيوية. ويحسب لجماهير قطر أنها وقفت وتكاتفت خلف البطولة حتى النهاية، ولم يغيبها خروج فريقها من ربع النهائي عن الأحداث، فتواجدت في المدرجات بأعداد جيدة، وكانت مضيفاً عربياً أصيلاً للقادمين من كل أنحاء العالم، كما أن اللجنة المنظمة أقامت على هامش البطولة العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي كان لها دورها في إثراء البطولة، وعلى مدى قرابة الشهر قضيناه هنا في الدوحة، كان سوق واقف والحي الثقافي علامتين مميزتين، خطفتا في أحيان كثيرة الأضواء من الملاعب، وتحولتا في المساء إلى كرنفالات آسيوية فيها كل ألوان الطيف من لاعبين ومحللين ومذيعين وجماهير، يختلطون بالشوارع الضيقة التي تحتضنهم في دفء على عكس أجواء البرد التي أحاطت بنا أياماً عدة، وساهمت البطولة في إحداث تقارب ملموس بين المشاركين بمختلف ميولهم، وهو تقارب من النادر أن نجده في بمثل هذه الحميمية في أية بطولة أخرى، والسبب بالطبع أن قطر العربية ألبست الأحداث ثوب وطباع العرب. تستحق قطر أن نشكرها، وتستحق ونحن نودعها أن نعطيها بعض حقها، بعد أن أحسنت وفادة ضيوفها، وبعد أن وفرت لهم عدة أسابيع عامرة بالكرة والجمهور والود. والآن، وبعد أن انتهى العرس الآسيوي، لا يجب علينا كعرب وكخليجيين بصفة خاصة أن نجلس في انتظار بطولة أخرى، ونراهن على «الحظ» في انتظار ما تسفر عنه، وإنما علينا أن نضع البطولة بكل أدوارها تحت الدراسة، سواء الدور الأول الذي شهد خروج معظم ممثلي الجانب العربي والبقية في الثاني، لنعرف لماذا خرجنا بخفي حنين، ولماذا تقدم غيرنا، وأطاحوا بنا سريعاً على هامش المشهد؟، بعد أن كنا من قبل طرفاً أصيلاً في نصف النهائي منذ بطولة عام 76. علينا أن نكون صرحاء، وألا يمضي ما حدث دون وقفة، وبقدر ما كان الخروج العربي مفزعاً، لابد أن يكون التقييم بذات القدر.. ربما نستطيع ساعتها أن نعرف ما نريد. كلمة أخيرة: اليوم نودع بلداً تعلقنا به أياماً، ونعود إلى وطن.. نتعلق به روحاً وعمراً. محمد البادع | mohamed.albade@admedia.ae