تعرضت سفارة الإمارات في دمشق لاعتداء من الغوغاء، وقد كان هذا الفعل محل استنكار رسمي وشعبي، نظراً للمواقف المعروفة والمشهودة للإمارات تجاه سوريا بالذات، ومن دون تدخل في الشؤون الداخلية للآخرين. وكانت دوماً تحرص على تضميد الجراح. ولكن الذين في دمشق اليوم، فقدوا بوصلة الاتجاهات الصحيحة، ولم يعد يهمهم سوى التثبت بكرسي بات في مهب الريح، كما هاجم الغوغاء و”الشبيحة” سفارات المملكة العربية السعودية وقطر والمملكة المغربية في اعتداءات مماثلة. ومن قبلها سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، لمجرد أنها قادت وشاركت في جهود وقف سفك الدم السوري، وقتل الأطفال والنساء والأبرياء في الأحداث التي تشهدها الشقيقة سوريا، واختار النظام الحاكم فيها أن يسلك مسلكاً دموياً لمواجهة تطلعات شعبه في العيش الكريم والحرية والديمقراطية. ولكن لأن الصوت الواحد الحاكم يعتبر كل من يروج لمثل هذه المطالب” متآمر”، آثر أن يكون صوت الرصاص خياره. وسلط “شبيحته” على شعبه وعلى مقار سفارات الدول العربية والأجنبية التي كانت هدفاً لغضب أركان النظام. وقد كشف هذا المسلك الهمجي والعابث ضيق أفق الذين يقفون وراءه، ممن يعتقدون أن مثل هذه الأفعال والسلوكيات الشائنة ستمنع تلك الدول من المضي في مواقفها الواضحة والمحددة، فهذه الدول تنطلق في مواقفها من حرص حقيقي على حماية أرواح المدنيين، وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
ظهور “شبيحة السفارات” لم يكن قاصراً على دمشق، والمدن السورية، فقبلهم حاصر” بلاطجة صنعاء” سفارة الإمارات، اعتقاداً منهم بأن ذلك سيطيل من عمر نظام يترنح هو الآخر تحت وقع مناشدات شعبه له بأن يرحل، ومطالبات المعتصمين في ساحات التغيير، فسلط عليهم آلة القتل ورصاص القناصة التي لم تعد تميز بين امرأة وطفل ومسن.
من يحرك أولئك الغوغاء، ويعتقد أنهم سيضمنون له الخلود في الكرسي، لا يتعظ بما جرى للطغاة ممن تجاهلوا نداءات ومطالبات شعوبهم بالتغيير، فقد ظهر القائد الأممي “ملك ملوك أفريقيا وعميد الحكام العرب وإمام المسلمين”-كما كان تروق له هذه المسميات- ليقول إنه اختار القوة ليخمد أصوات” الجرذان”، وإذا بنهايته تكون كما نهاية تلك الكائنات في الحفر. وقبلها ظهر وريثه الموعود، ليعرض بعد42 عاماً من حكم “ القائد”، وفي يوم واحد تعديل الدستور وتغيير العلم والنظام شرط البقاء في السلطة أو مواجهة الحرب. هذه أصوات لا تريد إدراك المتغيرات ودورات التاريخ، وقوة الشعوب عندما تنتفض، وقد تنجح القوة في إخمادها مرة، ولكنها لا تستطيع إطفاء جمرها تحت الرماد.
ذات مرة وكنا في محاضرة بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، قال أحد الكتاب والمفكرين لا عاصم من ثورات الربيع العربي إلا من حقق لشعبه العيش الكريم والمواطنة المتساوية ودولة المساواة والمؤسسات والقانون. فهل يستوعب الذين يستقوون بالشبيحة والدبابات والقصف الجوي على شعوبهم حقيقة هذه المعادلة البسيطة؟!.

ali.alamodi@admedia.ae