تلعب أدوات أو شبكات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً ومؤثراً، ويصعب تقصيها أو إقصاؤها، ويتعب من يحاول أن يضع عليها رقيباً أو يحمي نفسه منها، لذا لم تدرك الأنظمة العربية القديمة بكل ثقلها التسليحي ضد شعبها، وكل الأدوات القمعية لإخراس صوت مواطنها أو تحنيط جثته، أن هناك من الأدوات السحرية التي خلقتها ثورة الاتصالات والمواصلات يمكن أن تمكن المواطن من توصيل صوته، ونقد النظام، والتعبير عن التغيير في المجتمع، وحتى إسقاط النظام، وخلع الرئيس، وقد لا يعترف الفريق القديم أو الحرس القديم بمفعول هذه الشبكات العنكبوتية السحرية؛ لأنهم يجهلونها من الأساس، ويفضلون أن يجندوا مخبراً أو يزرعوا متنصتاً أو يرسلوا قوة مسلحة للقمع، عن التفكير الجديد في الأدوات الجديدة والسهلة، وكيف يمكنها التغلغل في نسيج المجتمع من الداخل وتقويه وتشحنه ضد الظلم والفساد والتسلط، وتأمره بالخروج إلى الشارع أو الساحات العامة معتصماً، وثائراً برأيه، وأصبح الـ”شوية عيال” بنظر الأجهزة العتيدة والعتيقة، وبمديريها المحنطين في كراسيهم هم من يسيّر أفراد المجتمع، وحثه على التعبير والتغيير، وأصبحت الكفة غير متعادلة مما سهل من مهمة “الشباب” ضد فريق قديم مدجج بالأسلحة، صعب الحركة، بطيء فيها وفي التفكير، مقابل فريق جديد، متفرق ولكنه متجانس، خفيف الحركة، ومتنقل، وفي الوقت نفسه صاحب قضية، ومطالب بحق، ومزدرى من قبل الفريق القديم، وغير مقدر وزنه، فكان الزلزال من تحت الأقدام هو النتيجة الحتمية لهذا الصراع الذي من ميزته السرعة الكبيرة، بحيث رأينا أنظمة معلفة ومسمنة تنهار في أشهر قليلة، ورأينا أنظمة بوليسية حاكمة بيد من حديد وفارضة رداءها الأمني من قطاع الزراعة للثقافة للأوقاف للتمثيل الدبلوماسي ولكل مؤسسات الدولة تتفكك بمجرد هروب رئيس الشرطة والعسس، وظل شبح المواطن الضعيف ذي القميص المهلهل، وبشعر كنيش، ونظارة صغيرة سوداء، يحمل جراباً جلدياً فيه جهاز صغير، رعب كل المكاتب الواسعة الباردة ذات الهواتف الخمسة، وهاتف الخط الأحمر الساخن، وجهاز الفاكس، وآلة النسخ، وحاجب عند الباب، وعشرة موظفين يرصدون ويتابعون، ويدخلون بورقة ويخرجون بملف، تبدلت المعادلة فأجسام البغال، وعقول العصافير، والمفكرون ببطش أيديهم وأقدامهم انزوى دورهم، وأصبحوا عالة على الأنظمة المتهاوية، ولم يعدوا قادرين على أن يزجوا بهذا الفريق البسيط المتحرك في السجن؛ لأنه ببساطة لا يعرفه، ولا يعرف أين يمكن أن يتصيده، ولا يعرف من يقف خلفه؟
لقد بدأت ثورة شبكات التواصل الاجتماعي تأخذ مكانها، ولكن لم يعترف بحقها ودورها من قبل الآخرين، إلا الشباب المؤمن بها وبقوتها، وخصوصا في المجتمعات المنغلقة، ذات الجريدة الرسمية، ونشرة الأخبار الرسمية، ونظرية المؤامرة، منذ اندلاع المظاهرات في شوارع طهران، ولكن لم يتعظ أحد من ذلك، حتى جاءت بالربيع العربي!


amood8@yahoo.com