نعم، أنا مشتاقٌ إليكِ، كما لم أعرف الشوق من قبل، كما لم أعرف الفراق والحنين، أنا الذي خبر تلك اللحظات التي قُدَّت من جسد الجحيم، والتي هي قدر حياتنا وحبنا... مشتاق إليك، أتخيلكِ في نومك وصحوك، في حركتك المتوترة، وأنت تفكرين في أعمال تلح على ذاكرتك وخيالك، أو تمارسين شأنا اجتماعيا ما.. فلست المنعّمة مثل امرأة ابن أبي ربيعة، التي (ليستْ لشيء آخر الليل تسهرُ) على عكسها أنت ربيبة الأرق الليلي والقلق المضيء. وغالبا ما استحضرك بين تلك الجبال العاتية وينتابني خوف من تلاشيك في ذلك السديم الأكثر غرابة وبطشاً من جميع طبائع الكون. أخاف كثيرا، الخوف والشوق إلى حياة لا يتخللها الكثير من الفراق كما هو الحال. هل يمكن أن أقول، حياة مستقرة؟ حتى ولو كانت مترحلة. الترحل معك استقرار والإقامة من غيرك رحيل في قسوة العالم المتمادي في أنانيته البليدة ورعبه. لا يهم إن كنت على الأرض أو محلقا في الأثير، او في سفينة تمخر عباب المحيطات، كما كنت تحلمين أن نطوف العالم في رحلة بحرية، حيث الشرق الآسيوي الأقصى يكون منطلق هذه الرحلة... قرصانة الخيال تحلمين بالممكن والمستحيل قُبلاتك الأكثر نشوة من أفراح إله وثني أو قصيدةٍ تنزل كسرب يمام على شرفة الشاعر في ندى ذلك الصباح الغائم قبلاتكِ التي لا تقول إلا صمت الشاطئ وهسيس موج يغمر البسيطةَ بحنان متوتّر من فرط ما غمرته الأعماق برهافتها البعيدة قُبلاتُ الملاك العصي وقد استسلم إلى قدر الحب. *** أشتاق إليك حين أكون وحيدا وأشتاق أكثر حين أكون مع آخرين، لأني في تلك اللحظة أحس بتيه اكبر فاستحضر غيمة الصحراء، ألوذ بنجمة المساء، وجهك الأكثر إشراقاً عبر المسافة. اجلس اللحظة على طاولة الكتابة. لا شيء يشغلني عدا حلم اللقاء والحضور المحتدم الذي يحاول أن يخفف من سطوة الغياب، ذلك الحيوان الذي يفترس التلاقي ويقضُ مضجع العاشقين... حضورك الذي يغمر المكان كديمة عاصفة تنهمر على أرجاء هذه المدينة الهرمة، فيمنعني من السرحان في حيواتٍ وذكريات تصَّرم عهدها وانقضت... أتذكر تلك الطائفة الهندية الغامضة التي تنكر الماضي بصرامة وإطلاق! كأنما أرى المكان لأول مرة، أتقمص نظرتك ومشاعرك أراه بعين روحك التي اخترقت كيان المكان فطوحت به إلى البعيد البعيد.