لا تصادف أحداً هذه الأيام لا يشكو من شيء ما ، من زوجته التي لا تهتم بشؤونه كما تهتم بتفاصيلها الخاصة ، من خادمته التي لا تفقه شيئاً في أمور المطبخ وتدبير المنزل ، من أبنائه الذين لا يسمعون الكلام ولا يحققون تقدماً يذكر في تعليمهم مقابل ما ينفقه على تعليمهم ، ومن عمله الممل الذي لا يشعره بالراحة أو الرضا، ومن الزحام، ومن أقساط السيارة وتضاعف قيمة المخالفات المرورية، وارتفاع الأسعار رغم الكساد والأزمة المالية..! لا تنتهي الشكوى أبدا فكل من لاقيت يشكو دهره كما يقول الشاعر، مع أنك للوهلة الأولى حين تسلم عليه سائلًا عن الحال والأحوال يجيبك بهدوء الحمدلله كل شيء تمام ، ثم تبدأ الأسطوانة في الدوران ولا تتوقف ، حتى حين تحاول أن تغير مجرى الحديث لتفتعل شيئاً من البهجة قبل أن ينتهي اللقاء !! يذكرك صديقك الذي لا يتوقف عن الشكوى بالفرنسي الذي يبدأ يومه شتاء يشكو البرد والمطر ، وصيفاً يشكو الحر والعرق، وفي الربيع لا يشكو شيئاً لكنه يذكرك أن أيام الربيع قصيرة وأن الخريف قادم بسرعة البرق، وسيتبعه البرد والمطر، والحر والعرق، بعكس البريطاني الذي يبدأ يومه بعبارة ” إنه يوم جميل ” فكل شيء عنده جميل حتى لوكان هذا اليوم أسوأ أيام السنة، فالمطر جميل ، والرعد جميل، والحر جميل ، والصيف جميل، وكله جميل في جميل! أما الإيطالي- كما يقول نبيل خوري في مقال له في جريدة النهار اللبنانية - فهو لايتحدث عن الطقس ، لأنه يقبل به كما هو، إذا كان حاراً هرب الى البحر ، وإذا كان بارداً هرب الى المعطف، وإذا كان ربيعاً بحث عن حديقة وإذا كان خريفاً بحث عن ... سهرة وصديق!! كلنا يفضل أن يكون صديقه إيطالياً ، فطريقته هي الطريقة المثالية في التعامل مع الحياة دون اللجوء للشكوى والتبرم ، فالشكوى لا تنفع ولا تجلب منفعة، أما قبول الحياة كما هي فإنها تمنحنا الوقت وسعة الأفق لاختيار وسائل أخرى لمعالجة الخلل ، ثم من قال إن الحياة والظروف والأصحاب والأبناء والزوجة والجيران والعمل يجب أن يكونوا مثاليين كما نحب ، وأن يكونوا كما نريدهم منزهين ومبرئين من الأخطاء أو مرسومين بالقلم والمسطرة ؟ كان هناك منذ زمن في معظم الصحف باب أو زاوية تحت عنوان “أين تذهب هذا المساء “ يخبر فيه المحرر الناس الحائرين في كيفية قضاء وقتهم بإرشادهم إلى الأماكن التي بإمكانهم قضاء أمسياتهم فيها ، اليوم لا نجد هذه الخدمة ، لكننا نعرف هذه الأمكنة جيداً، حيث يمكننا أن نقضي أوقاتاً حلوة مع الأصدقاء، فالسينما، والندوات ، المسرح ، المراكز التجارية، الحفلات الفنية، المطاعم الكثيرة والمتنوعة ، المعارض الفنية ، الجلسات الحميمية في الشتاء على ضفاف البحر حيث المطاعم والمقاهي، الخروج للمشي مساء في شتاءاتنا الجميلة، الذهاب للحدائق، الاستمتاع بجلسة هانئة مع الأهل في حديقة المنزل ... أليس ذلك أفضل من الشكوى ، تلك المصيدة التي تلتهم ألق الروح مجاناً ودون نتيجة ؟