لعل ما يميز معظم الشباب في أوروبا وأميركا أن لديهم حافز التميز والنجاح المختلف، لذا تجدهم منذ الصغر ينصرفون للمواهب التي يطلقون عليها صفة”الهدية الربانية” فيطورونها حتى تغلب على تخصصهم الدراسي، والكثير منهم يعتبر للحياة معنى من خلال بروز هذه الموهبة، مصدر ايصال اسمه وصورته، وشهرة نجاحه، واعتزازه بشخصيته، ولعل الأمر الآخر الموجود عندهم أن لديهم حب المغامرة والعمل التطوعي، فكثيراً ما تلقاهم في أماكن الكوارث من خلال مهنهم أو هواياتهم أو مواهبهم، يعملون من أجل مساعدة الغير، ومساعدة أنفسهم على فهم الأمور والحياة، وكثيراً ما تجدهم أيضاً يشقون طرق الجبال الوعرة ليرقوا سلماً لمجد شخصي أو لسمعة وطن أو مساهمة في مهمة إنسانية تخدم فئة من البشر أو إنقاذ حياة حيوان يقارب على الانقراض، يخرجون في الغابات رافعين شعارات عدم الإضرار بأمنا الأرض أو قطع أشجار الغابات أو اكتشاف قبيلة بدائية نساها الزمان في مكانها، ولا تعرف عن حضارتنا. هذا النوع من حافز التميز وحب المغامرة من أجل شيء سامٍ، قلما تجده في وطننا العربي، فالشباب منصرف لأشياء أحياناً نستبيح لهم الأعذار فيها، كالمسؤولية الاجتماعية تجاه العائلة أو التغرب من أجل توفير الاحتياجات الضرورية للعيش، وأخرى لا نوافقهم عليها كإلقاء اللائمة على الحكومات وتقصيرها تجاههم، وعدم توفير الحريات والأساسيات في الوطن الأم أو وجود الفراغ وفساد ما تبث وسائلهم الإعلامية، وتوفر المتع المباحة، وكأنهم يريدون أن يتخلصوا من طبيعة روح الشباب الوثّابة بما يلاقون من ظروف قاهرة، تاركين روح التحدي ومجالدة الحياة والتفكير في التميز. اليوم بين شخصية الشاب الأوروبي أو الأميركي وبين شخصية الشاب العربي بون شاسع قد يتفوق العربي عليه في كم المعارف العامة والتعليم، لكن بالتأكيد لن يتفوق عليه في مهارات الحياة، ولا في قوة الشخصية، كم من الشباب العربي يستطيع أن يقوم بأعمال المنزل التي تخص الكهرباء والماء والنجارة من دون الحاجة للآخرين، ويمكنه مساعدة الجيران في وقت فراغه أو يقدر أن ينطلق وحيداً في رحلة بعيدة معتمداً على نفسه في كل شيء، وقادراً أن يتدبر أموره للنهاية، أو تغريه رحلة جماعية مع رفاقه ليجوبوا أماكن مختلفة من العالم ليعرفوها، ويعرّفوا ببلادهم، ويكتسبوا دافعاً قوياً في الحياة، هناك بعض النماذج العربية، ولكنها قليلة جداً، ونفرح بها وبتجربتها، لكن هذا الأمر لابد وأن يكون صفة للشباب، وشيئاً ملازماً لهم في خطواتهم الأولى في الحياة، لأن سنوات الشباب هي العمر الذهبي لصنع النفس والأشياء الجميلة!