وصلنا إلى وقت صعب على النفس، وعسير على الناس، الجميع إلا من رحم ربي، يتكلم بلسان الذي أكبر منه، ويقوّل صاحب المقام بمقال لا يأتي من طرفه، ولا من مقامه، فما أكثر المدعين بألسنة غيرهم، وما أكثر المحتمين بدروع غيرهم، وما أكثر الطاعنين بسيوف غيرهم، يمكن أن نضفي عليهم نعت “الفروق” الخائف من جبنه، ولا نبالي، لأنهم يختفون وراء بروج مشيدة، ويشهرون خناجر ليست لهم، وكبيرة عليهم! - هناك نوع من المدّاحين الذين لا يخشون تساقط لحم الوجه، فيقولون كلاماً يستصغره ويستصغرهم الممدوح، ويخجل منه بدلاً عنهم، وقد نعتهم الرسول الكريم مرة: بأنه إذا ما جاءكم المدّاحون فأحثوا في وجوههم التراب، لأن من يمدح بلا مكيال، يذم ويقدح ولا يعد، وكم مر على هذا المكان من أمثالهم، ولم يبق منهم إلا ما بقي الظل، وذرت الريح! - ترى الرجل فتعرف فيه سيماء من أهله الأولين، ورائحة البلد بطهرها، فتشد ظهرك، ولا يخلفك، يمكن أن يكون سندك، وعضدك، يمكن أن ترمي عليه ثقلك، فلا تسمع منه، إلا ما سمع الأولون من الأولين: عونك، وفي السمع والشوفة، وأنا لك، والشر ما ينالك! - لم أر شيئاً يروز الحجر وأثقل، قدر العين الفارغة، وهم الحسد، يقوس ظهر الإنسان وهو في طرّ شبابه، ويصبغ الوجه بصفار، تعافه النفس، ولا يمحى، والبسمة إن أطلقها ذاك الآدمي الذي يرعى جسده “شرى” التملك، وجرب التفرد، لا يمكن أن تفرح قلبك، لأنها مُرّة، وتحرق، ولا تدرك أن في الحياة متسعاً ومدى، وعشباً أخضر وكلأ! - ليس هناك من أمر يجعلنا نتحسر عليه في الحياة، قدر خلو المكان من “ إخوات شما” لهن وعليهن من إشراقة الصبح، وبكور الفجر، من وضح النهار، وظل العصر، ألق المساء ودفء الليل، وفوق كل الأشياء هابّة ريح، وعن أربعة رجال، عفّة الرضاب واللمى، سعيدة الجوار، مصونة الحمى! - ما يحتاجه شبابنا وبناتنا اليوم القدوة، والمثل، وبطل فارس في الحياة، وأخت رجال، فلا تجعلوا الآخرين يزاحموننا على هذه المكانة، ولا تدعوا الهامشيين يتصدرون المرتبة، ولا تسمحوا لغير الوطنيين ومحبي الخير، وعاشقي النجاح والفلاح أن يتبوأوا هذه الصدارة! - صفة كانت جميلة في زمن أناسنا الأولين، ولحقنا عليها، وأتمنى أن يعرفها جيلنا الجديد، وإن عرفها وعاها، وإن لزم عض عليها بالنواجذ، لا يفرطها، وإن قدر أن يورثها، فلا يبخل، لأنها صفة للشاب أو الفتاة نقولها معتزين، مزهوين بولدنا أو بنتنا: “ والله أنه حيّ فواد أو حيّة فواد”!