في الإعلام كما في كل مجال ومكان، النسخة المقلدة ليست مثل الأصل أبدا، سواء كان هذا الأصل لوحة، برنامجاً تلفزيونياً، مذيعاً مستورداً، جهاز موبايل، قلم حبر ، أو قرصاً مدمجاً (سي دي)، التقليد لا يشبه الأصل أبدا، ولا يماثله في الجودة والروح والصلابة، وللأسف فكثير من فضائياتنا العربية من الخليجية والمحلية ليست سوى نسخ مقلدة من بعضها ومن فضائيات أجنبية، تعج بمذيعين ومذيعات (وهؤلاء هن الأغلبية طبعا) يتشابهون في كل شيء، في الأسماء حتى كدنا لا نحفظ اسم أحد منهم إلا بصعوبة، في ذوق الملابس، في عمليات التجميل، وفي «اللوك» الذي يظهرون به على الشاشة مبتسمين كل يوم وكأن شيئا لم يكن مع أنهم يذيعون خبرا قاتلا عن زلزال هايتي ودماره بالكامل!! ماذا حدث حتى أصبحنا ننتج برامج لا يشاهدها أحد ونستقطب مذيعين ومذيعات لا يستلطفهم أحد، ونناقش “قضايا” لا يشعر المشاهدون بأهميتها، فهل فقد الإعلام حسه الدقيق تجاه المجتمع؟ هل أسقط الجمهور من معادلة أرباحه وخسائره؟ هل أصبح لدى إعلامنا متلق آخر يستقبل رسائله بخلاف هذا الجمهور الموجود على ساحة الوطن؟ ما هي مشكلة الإعلام العربي حتى تباعد هكذا عن واقعه وصار يستنسخ إعلام المجتمعات الأخرى شكلا وفكرة ومضمونا؟ أحاول أن أتذكر البرامج التلفزيونية فلا أجد إلا نادرا برنامجا تلفزيونيا يتذكره الناس ويثنون عليه ويتابعون حلقاته؟ مع أن هناك جهدا مبذولا في الإعداد والتنفيذ والإنفاق؟ مع ذلك تسمع من يقول لك إن هذا البرنامج أو ذاك لا يعبر عن الناس، ولا يتماس مع واقعهم، إنه شكل من أشكال التسلية وقضاء الوقت بأية طريقة، حتى صارت المعادلة الحالية في معظم الإعلام العربي: مذيعه جميلة ومذيع وسيم، إضافة لديكور لافت، وكثير من الثرثرة حول أي شيء وكفى الله الإعلام شر الهموم والقضايا والمتابعات فنشرة الاخبار تكفي!! في بعض إعلامنا العربي نتابع برنامج الأميركية المـتألقة أوبرا وينفري، ونتساءل كيف نجحت هذه المرأة في استقطاب كل هذا الجمهور العريض؟ كيف نجحت في أن تكون المذيعة الأولى والامبراطورة المتربعة على عرش البرامج الحوارية؟ ببساطة لأنها لم تحاول أن تكون شيئا آخر غير أوبرا وينفري بكل بساطتها وحرفيتها وحبها لمهنتها، أنفقت على مهنتها كما يجب واهتمت بما يريده جمهورها بصدق تام وبمتابعة ومثابرة وإخلاص، دون أن ننسى مقدار ما تتمتع به هذه المرأة من كاريزما شخصية تحسد عليها فعلا، بعيدا عن صيغة الجمال التي ما زلنا نغرق في تفاصيلها البدائية؟ نتابع أوبرا وينفري ونتساءل، متى بإمكاننا أن نتابع مذيعين بهذه النوعية من الشخصيات تختلف عن كثير مما هو متصنع ومصنوع وغير حقيقي في عالم إعلامنا العربي؟ ما زال جيل كامل رغم مرور السنوات يتذكر المذيعة المصرية الرائعة ليلى رستم صاحبة برنامج بين الحقيقة والخيال، وحمدي قنديل صاحب برنامج رئيس التحرير، وغيرهما، ونفتش في كثير مما تعج به فضائياتنا، فلا نجد سوى صور باهتة.. ومثل الوجوه نجد الأقلام والأصوات .. يا ترى أين الخلل: في الجمهور أم في الإعلاميين؟ أم في كليهما؟