في ألمانيا، استقبلت ملكة جمال التفاح، ملكة جمال السياسة في بلادها، بسلة زاهية باهية من تفاح احمرّت وجناته، ونعمت بشرته، وبابتسامة أنثوية رقيقة تداعى اللقاء الحميم بين السياسة المخملية، والجمال المتشبع من فرات الراين العريق.. ماذا نستشف من هذا ونحن في ربيع عربي، سقيت أغصانه ورويت أوراقه بالأحمر القاني، المتسرب من أصابع العنف والخسف والنزف، والغرف من أتون تاريخ لا يرحم، وثقافة لا تنعم إلا بمزيد من التضاد والعناد، والاعتداد بالنفس حتى وإن وهنت، وحتى وإن هزمت، وحتى وإن اندحرت.. مشاهد من تاريخ راهن، رهن المصائر، وجلد الحرائر بعصا الفراغات المتناهية إلى زوال، وانفعال لا يخدم للود قضية.. أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا، وقائدة مسيرتها، وضعت الصورة الملونة في وجوهنا لعل وعسى أن نتعظ ونعتبر، لنكف عن مضغ سجلات تاريخية لا يبلى حديدها، ولا يلين جريدها، ولا يخف عنها صداع المراحل المبتورة بسيوف الحقد والأسى والجبروت وأحلام اليقظة وكوابيس الليل البهيم.
ربيعنا العربي الذي جاء خلسة، بفعل فاعل مبني للمجهول، وخض المرابع، ورض المواقع، وأبدى حسن النية في تحسين ما يمكن تحسينه بعد عقود من التسويف والتخويف، والتكتيف، والتحريف، ربيع استمد قوته واخضراره من قوة النوازع إلى الخروج عن وشم حاضر، استعدى النفس ضد النفس، وحرض الأخ ضد الأخ، وسول لكل من في قلبه شغف أن ينسلخ من جلد الصيف الحارق، لأجل ربيع لاحق، لا أحد يدري كم من الأوراق سيقطفها قبل نشور براعمه اليانعة... ربيع عربي، يدخل بزفة وفرق عازفة، تدق الطبول وتصيح بالويل والثبور، لراهن لا يليق بالمرحلة، بعد أن أصبح العالم قرية مفتوحة، غزوة الفضائيات الفضائحية بكل غثها ورثها، وبكل ما احتوته من نوايا ورزايا، ما أنزل الله بها من سلطان.
ربيع عربي خطف الأضواء من الرياضيين والفنانين، وحتى سبق المنظرين والمنجمين في سطوعه، واقتعد مكاناً وسطاً في كل بيت، يتحدث عن نفسه وعن تطلعاته، وأهدافه ومراميه، ولكن الكثيرين يتحمسون وينشدون المزيد، ولكن عندما يشاهدون سيل الدماء تلطخ وجوه من لونوا الوجوه بمساحيق المجد المجيد، والتاريخ التليد، يصابون بالإحباط والاكتئاب البغيض، ويقولون في أنفسهم: “اصبر على مجنونك لا يجيك أجن منه”.. والتاريخ العربي علَّمنا جيداً كيف نبكي على اللبن المسكوب، وكيف نحزن على الدم المهدور، وكيف نأسف على الماضي، لأن الحاضر أكثر قتامة، وأكثر ملامة.. المشهد لم يزل يمضغ قصة داحس والغبراء، وحروب الطوائف في الأندلس تجرجرنا غصباً عنا إلى أيام تتشابه في ألوانها ومضامينها، ولا يبعدها غير بُعد التاريخ.. ومن حق ميركل أن تبتسم وتطمئن، لأنها تعلم علم اليقين أن من ستغضب عليها من الجميلات لن تقذفها بقنبلة يدوية، وإنما بتفاحة، وللتفاح رائحة الأمل، وذائقة الفرح المكتمل، ولون الحياة المبتهل..
فهل سيفرح أشقاؤنا في الربيع العربي، أم سيقولون يا ليت؟ وكلمة يا ليت ما تعمر بيت، ولا تبني حضارة.


marafea@emi.ae