منذ انتهاء الحرب الأهلية المشؤومة، والتي فرّعت لبنان الى أطياف وأطراف، وطوائف وتحالف، لم ينج هذا البلد من إعصار التجاذبات والتحالفات، والاحتقان الذي جعل من أرضه بؤرة لانفجار البركان الرهيب في أي وقت. لبنان الذي يملك جلّ مقومات الدولة العصرية، بما يختزنه في الذاكرة الجمعية من قيم حضارية وجمالية، لم يهنأ يوماً، ولم يسترح من سياط الاعتلال والاختلال، وما تخفيه القوى الشريرة من نار وعار ضد هذا البلد النبيل وشعبه الأصيل. ولأن لبنان بلد حر، ولأن الحرية في لبنان تجاوزت فضاء لبنان الجغرافي والسياسي والاجتماعي والعقائدي، فإن المخالب الشرسة أبت أن تضع هذا البلد بين فكي كماشة الأهواء والإغواء، وأن تجعله رهينة مصالح، وتجاذبات وإرهاصات وتقلبات، تارة لليمين وأخرى لليسار، وما بين الخطين خطوط متعرجة، وانحناءات، وأخاديد وتجاعيد، والشعب الذي يريد أن يرى النور لم يزل في تعقب دائم لظهور الدخان الأبيض، وما سيسفر عنه كل هذا الزعيق والنعيق، وقد ملت الآذان، وعافت الأبصار هذه المشاهد المزرية والمخزية، والتي لم تترك متنفساً للإنسان اللبناني الذي يريد أن يعيش كما هي شعوب العالم في القارات الخمس. ما يحصل في لبنان جعل اللبناني يكره الديمقراطية لأنها أصبحت عصا تستخدم بمقاسات مختلفة، حسب الأجواء، وحسب الأهواء، وحسب ما يرضي جهة ضد جهة، حتى وإن كان على حساب الوطن واستقراره وطمأنينته. ما يحصل في لبنان هو محاولة لتهشيم العظام، وتحطيم الأحلام، وترك البلد يعيش في حالة بحث دائم عن سراب وسط الخراب، وإجبار المواطن اللبناني على قبول الأمر الواقع لأن بلده قدر له أن يصير ممراً لأجندة آخرين، وقناة أرضية وفضائية لبث بيانات الآخرين، وشعاراتهم على أرض عربية ذات صلة وثيقة بالتاريخ، وذات علاقة وطيدة بالجغرافيا، وذات امتداد امتد عبر قرون بقيم عربية عريقة قبل أن يولد الآخرون، وقبل أن تترعرع ادعاءاتهم وافتراءاتهم على التاريخ. ولكن مع كل هذا الهدم العدواني المستمر فإن لبنان العزيز سينهض يوماً من تحت الركام، ويلعن حسابات الذين تأبطوا ضده شراً بعد أن فروا من قسورة الحقيقة، وظنوا أنهم قادرون على تكريس الظلم ضد هذا البلد الى أبد الآبدين. سينهض لبنان بعزة الشرفاء، وسيعلن عن حقه في العيش حراً بلا قيود أو سدود أو انحياز. وسينحاز لبنان الى عالمه الحر، المنفتح على الآخر بكل جدارة واقتدار. علي أبو الريش | marafea@emi.ae