الملف الذي قدمه الزملاء في “دنيا الاتحاد” 22/2/2009 يستوجب وقفة من المهتمين بلغتنا وآدابها وتعليمها وجمالياتها وإجرائها في الإعلام والمدرسة والحياة أي بكونها كلاما بحسب سوسير، وكما وصف الزميل خورشيد حرفوش في مدخل الملف فإن اللغة العربية في المدارس قد دخلت غرفة الإنعاش وأنها في خطر ليس احتكاما لنتائج اختبار بعض أساتذتها أو إعراض الطلبة ـ في استفتاء خاص ـ عن دروسها وعن الرغبة في تعلمها ولكن لما آلت إليه الفطرة والإحساس بدلالاتها ومعانيها وتراكيبها ما يدعونا لتصحيح المقولة السائدة عن ضعف اللغة، فاللغات لا تتعرض للمرض ولا حاجة بها لغرف إنعاش بالتالي، وإنما العلة في مستخدميها المبتعدين عن الإحساس بها وإظهار جمالياتها المتنوعة ترادفا وتدرجا دلاليا واشتقاقا وإعرابا ونحتا وتركيبا وصورا وإيقاعا فضلا عما تركته من إرث ثقافي ومعرفي قل أن يكتب مثله بلغة عريقة وما تتيحه الكتابة بها من فضاءات وآفاق، لذا لم أجد نفسي معترضا على وصف اللغة ذاتها بالعجز والقصور والانحطاط تبعا لانحطاط حال المتعالين بها حضاريا وسياسيا مستوى ومن بعد لم أجد جدوى من الدعوة إلى (تنضير وجهها أو تطويرها) فذلك يخالف القواعد اللسانية حول الانساق اللغوية وتدلولية اللغة في الكلام والإبداع والتأليف، مع الموافقة على ما يتهدد استخدامها من خطر بسبب العاميات الزاحفة عليها والترجمات السيئة والاقتراض من اللغات الأجنبية للتعامل والتعبير وضعف إدراك المتعلمين وغيرهم بأسرارها وقواعدها وجمالياتها وهو ما يتجسم واضحا مفضوحا في حقلين أشار ملف “دنيا” إلى أحدهما وهو التعليم، ونشير إلى الآخر وهو الإعلام، فاللغة في وسائل الإعلام معوجة بينة الخلل يشيع ويتطاير الخطأ فيها لفظا ورسما وتركيبا ودلالة، وخطر ذلك لا يقل عن واقع المدرسة وضعف الاكتساب اللغوي أو محبة اللغة والإقبال على تعلمها فيها. وقد أضاف الزملاء في القسم الثاني من الملف عوامل أخرى لضعف التعبير باللغة وإدراكها فأشاروا إلى ظواهر حياتية منها التربية البيتية والعمالة الأجنبية وصلتها بالفرد منذ الصغر حتى التعامل اليومي ما ينعكس ضعفا في الإعلانات المكتوبة بطريقة مضحكة والحديث المعوج والتعامل في الأسواق والمطارات والمنتديات والمستشفيات والمراكز التربوية والفنية والعلمية والمرافق الخدمية. ولا شك في أن طرق تعليم العربية وإعداد المعلم وتحرير المناهج ومفرداتها لا تشجع على التفاؤل حتى الآن، لكن التنبه والتنبيه والمقترحات والدراسات العلمية كفيلة بعقد الألفة بين العرب ولغتهم بل بينها والناطقين بها من غيرهم أيضا. لقد جاءت التنبيهات المخلصة تلك في أيام خصصت للغة العربية والاحتفاء بها، فإذا بنا نستعيد التألم على ما صار إليه وضعنا اللغوي العام ونفور شبابنا عن دراسة لغتهم، لكن ذلك لن يخفف من مسؤولية الجامعة والإعلام والخطط الحكومية والأسر والمؤسسات التربوية والعلمية في هذا المجال.