مقابلات كرة القدم كل يوم أحد في ملعب غاص بالمتفرجين، والمسرح الذي عشقته عشقا لا يعادله شيء في الدنيا، هما المكانان الوحيدان اللذان أشعر حين أرتادهما بأنني بريء حقا”. هكذا كتب الروائي والفيلسوف الراحل ألبير كامو Albert Camus معبّرا عن احتفائه بالمسرح وبكرة القدم. لم تكن مباريات كرة القدم في نظره مجرّد لعب وتسلية كانت منازلة تنكشف فيها علاقة اللعب بالوجود وبرعب الوجود. كانت درسا. لذلك كتب: “لقد تعلمت من ممارستي لرياضة كرة القدم في النادي الشبابي الذي انتميت إليه، أيّام كنت طالبا في وهران بالجزائر، أن الكرة لا تأتيك أبدا من الجهة التي تتوقّعها. هذا الدرس أفادني في حياتي كلها ولاسيما حين وصلت إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر لأن الفرنسيين في فرنسا لا يتحلّون بالصراحة ويبطنون ما لا يظهرون”. الثابت تاريخيا أن كامو قد انضمّ في شبابه إلى فريق نادي راسينغ الجزائر. لكن إصابته بمرض السلّ وضعت حدّا لطموحه في التحوّل إلى نجم من نجوم الكرة. يحدّث الصحفي فيكتور بيروني، وهو صحفي مرموق عمل طويلا في جريدة “الجمعية” وكان قد عرف كامو منذ كانا في الجزائر قبل التحرير، عن افتتان ألبير كامو بكرة القدم هكذا: “كنا نترافق لحضور مقابلات كرة القدم. وكنا مجموعة من المثقفين والكتاب منهم ألبير كامو طبعا وريمون آرنو Raymond Aron الفيلسوف والكاتب وعالم الاجتماع الشهير، والناقد والكاتب المعروف موريس نادو Maurice Nadeau، والسينمائي والمخرج المرموق مرسيل كرافين Marcel Cravenne، والكاتب روجيه غرونيه Roger Grenier وغيرهم. وكان الاستمتاع بالمقابلات الرياضية يكلل دائما بنقاشات فكرية تنعش الروح وتغذّي العقل”. الراجح أن كامو كان من الكتاب الذين يؤمنون إيمانا قاطعا بأن الجسد يمكن أن يمدّ الروح بما يصفّيها والعقل بما يشحذه كي يقبض على ما لا طاقة للعقل بالقبض عليه أي ما ينبني عليه الوجود نفسه من عبث وتعمية في عالم معمّى يبدو حين نتملاّه خلوا من المعنى أصلا. كان كامو على يقين أيضا من أن أبطال الرياضة حين يتألقون يلامسون حدود الخارق والأسطوري لذلك تكون نهاياتهم فاجعة ودرامية دائما سواء لحظة سقوطهم في الصمت بعد الشهرة أو لحظة مرضهم. فلقد انتهى حارس المرمى الشهير ريدي هيدان Rudi Hiden الذي كان يحظى بإعجاب كامو مبتور القدمين. وانتهى الملاكم محمد علي كلاي الذي دوّخ العالم مريضا بمرض الشلل الرعاش (باركنسون). لكن الرياضة ظلت في نظر كامو طريقا ودرسا. كتب: “قدم لي العالم فرجة متنوّعة ومقابلات عديدة، تعلمت منها كيف أقرأ المنزلة البشرية وتمزّقاتها بين ما يقرّه الواجب وما تقتضيه الأخلاق. هذا ما أدين به للرياضة. لقد كنت أعشق فريقي عشقا بسبب لحظات الغبطة التي تعقب الانتصار بعد التعب، وبسبب تلك الرغبة الغبية في الانخراط في النوح لحظة تذوق مرارة الهزيمة”.