يعود للشاطئ مثل طائر نورس ساعة الغروب، من أين تأتي هذه النوارس المتدافعة بفرح عناق الماء. أسراب كثيرة تأتي من جهات بعيدة مسرعة إلى البحر، وكأنها تسابق أشعة الشمس التي تذوب في البحر. حالة من الحب العظيم عند الطيور الجميلة للماء، أيضاً يعود الرفيق القديم إلى ماضي البحر، بعد أن ذهبت به الحياة شرقاً وغرباً. لاشيء للإنسان في نهاية الأمر غير ساحته القديمة، الحي القديم والفريج المملوء بالذكريات الصغيرة. الطفولة وحدها وأحداثها ومشاغباتها تثبت وتظل مثل جرس صغير أو نقرات طائر على جدار وردة أو موجة. نطوف الآن سوياً على الساحل بخطوات حافية، نخوض البحر ذهاباً وعودة، إنها محاولات متأخرة لإعادة صورة الطفولة، عندما تغيب الشمس خلف الموج، تشعر أنك تريد معانقتها قبل أن تغرب. إنها الحبيبة الذاهبة لتعود عند تباشير الصباح التالي، قديماً لا يحجبها شيئاً من موقعنا هذا على الشاطئ، الآن تقف مبان أسمنتية أمام الشمس، مثل غريب عريض المنكبين يسد علينا الغروب الجميل، هذا الجمال الصناعي، وهذه الأضواء الجميلة الممتزجة بالموج ورائحة البناء، لا تعوض صياد سمك غابت عنه الشمس خلف الاسمنت، هذه الحبيبة الجميلة لا يعوضها أي جمال في البناء والتصاميم الجديدة، إنها الحياة أجمل على فطرتها وطبيعتها وإن كانت بسيطة وفقيرة. سوف أمد الخطوات ذهاباً وعودة على الساحل، حتى يأتي الليل وتعوض المصابيح البديعة ضوء الشمس. أنا وصديقي القديم ما نزال نحرس الساحل الذي يعرفنا وإن احتله ناس كثر من كل مشارب الدنيا، يزداد الليل حلكة وتوحد مع المباني الممتدة على طول الساحل. يختفي الغرباء كلاً إلى علبته الليلية أو ساحة لعبة أو سكنه، ونظل وحدنا ملتزمين مع موج ورمل الشاطئ، حتى وإن ابتعدنا قليلاً فإننا من منازلنا القديمة الرابظة على الساحل، نسمع همس الموج وصفير ريح الشمال. هذه الريح التي نستقبلها بعد أن تتجاوز حافة البحر، منذ أن عرفنا هذا الساحل ونحن نفتح صدورنا لريح الشمال الباردة، ونستقبل هبوب السهيلي الحارقة، وننتعش برياح الكوس ونغني لنسيم المطلعي العليل، واقفون على الساحل مثل سارية سفينة، يأتون ويذهبون حسب الظروف وعاديات الأيام، ووحدنا مثل أشرعة المراكب ورمل السواحل وتربته البيضاء، لا نود أن نبرحه أبداً. سرت شائعة يوماً أن بيوت الصيادين تحتل أجمل الشواطئ وأن هذه الأماكن سياحية جداً، لا تصلح للوجوه السمراء، ومحال مقارنة نوم غزالة شقراء على البحر، مثل انبطاح بحار عجوز أو صياد أسمر عتيق يحتل الشاطئ، كان لأصحاب الاقتصاد والتجارة والسياحة مشاريع حالمة، بأن يرحل هؤلاء المعتقين والقدامى من أهل البحر إلى داخل الصحاري، فهي تشبه وجوههم السمراء وتناسبهم جداً. ولكن رأي الحكماء أحبط أفكار الذين لا يعرفون الانتماء أبداً!! وظل البحر وناسه مثل دانة وحارس أمين. ابراهيم مبارك Ibrahim_Mubarak@hotmail.com