كل عام أذهب إليها، أو أتابعها، أسأل نفسي: ما الجديد الذي يمكن أن تقدمه، وهل لا تزال كما أطلقناها للعالم، درة وأيقونة أم أن الحلم، قد بات واقعاً، ولم يعد هناك جديد؟.. لكنها كالعادة، تخفي بين راحتيها المفاجآت، وتلعب معي لعبة الحكايات الجميلة والمدهشة.. تصر على أن تبقى عروساً، وتؤكد أن ما لديها ليس لدى أحد، وأن الجديد فيها.. ليس في الممرات ولا في الدروب، وإنما في روحها العربية، المتألقة، التي اختزلت جمال العالم على أرضها، وألبسته ثوباً عربياً، مبهجاً، يخطف الأنظار في كل مرة. تلك هي حلبة ياس، أفضل حلبة لرياضة السيارات شهدها العالم، بشهادة أهل اللعبة أنفسهم، الذين يؤكدون كلما جاؤوا إلى هنا أنها الأروع والأجمل والأكثر إبهاراً. لم تكن لدي دراية كافية برياضة الفورمولا-1، وكل معرفتي بالسيارات تنحصر في «سيارتي» التي اعتدتها واعتادتني، وباتت قريبة لي كصديقي، حتى صرت أخشى أن أضغط عليها كثيراً أو أسرع بها، وشيئاً فشيئاً، شدتني ياس، كما شدت كل المحيطين بي، وبدأنا نتعرف على هذا العالم، وندرك أن هناك سرعات تقارب الـ300 كم أو تزيد، وصرت كمن يمازح سيارته: لماذا لست مثل ما نسمع عنه في عالم الفورمولا-1، وحين قرأت أن تكلفة سيارة الفورمولا الواحدة في الموسم تقترب من 55 مليون دولار، كانت المفاجأة وقررت أن أبقى مع سيارتي. أعتقد أن الرسالة الكبرى من حلبة ياس، بحاجة أكثر إلى أن نقرأها، فالحلبة لم تأت إلى هنا كديكور جديد، نزين به حياتنا، وليست فقط في تلك الأيام الثلاثة التي تصاحب سباق أبوظبي، وليست في الواحة، ولا في الكارتنج أو الجي بي 2 والبورش، لكن الرسالة في السلامة، وفي توفير مضامير آمنة، لمن يحبون السرعة، بدلاً من أن يهدروا معها أعمارهم على الطرقات وفي الشوارع. نعم تلك هي الرسالة كما استقرت في نفسي الآن، وكما أقرأها بين سطور حلبة ياس، وفي الفعاليات والأنشطة التي تدور بها على مدار العام، ولكن شبابنا أو لنقل معظمهم، يصرون على أن يصموا آذانهم ويغلقوا عيونهم، وكأنهم اعتادوا «الممنوع» والقيادة على شفا الخطر. أتابع جهود الحلبة على مدار العام، لكنني أرجو منها المزيد، وأتطلع إلى أن تكون تلك الرسالة هي جوهر العمل، وإذا كان السباق الرئيسي لدينا من بطولة العالم، يقام في يوم واحد، فلدينا 365 يومآً، بإمكاننا أن نفعل فيها الكثير، وأن نجعل من هذه البقعة متنفساً لشغف الشباب المولع بالسيارات، على أن تصاحب ذلك، فعاليات موازية للهيئات المعنية كافة، تصب جميعها في اتجاه الحد من السرعة، وإثناء الشباب عن هدر طاقته وروحه أيضاً.. عندها صدقوني، ستكون ياس قد أوفت بوعدها، الذي أراده من أنشأها وفكر فيها، استثماراً في الإنسان قبل المكان. ياس، ليست حلبة تدور فيها السيارات، وإن بقيت درة الحلبات، لكنها جزيرتنا التي نريدها، ملاذاً لأصحاب الهوايات، ولو حدث ذلك، سنجني كل ملايين الدنيا وأكثر، فلا شيء أغلى من البشر. كلمة أخيرة: الدار لا تشرق إلا بأصحابها mohamed.albade@admedia.ae