كافتيريا صغير وصغير جداً لا تزيد مساحته على أربعة أمتار في أربعة، لكنه بقدرة قادر وبإرادة المتواكلين والمتقاعسين أصبح قبلة المشغوفين الملهوفين المدنفين حباً بكل ما هو جاهز وسهل المنال دون أدنى جهد.. الكافتيريا المذكور متخصص في بيع وإعداد مشروب “الكرك” أي الحليب الممزوج بالشاي.. ولا غير ذلك، فهو يبذل الجهد الذي نظن ونعتقد ولا يفعل المستحيل، ولكن الأسر والأفراد في مجتمعنا أصبحوا من الاتكالية والاعتماد على الغير لا يستطيعون صناعة هذا المفاعل الخطير والمستحيل، لذلك نرى هذا الكافتيريا وعلى مدار الساعة يغص بطوابير السيارات المنتظرة على عجل ووجل ماذا تعده لهم السواعد السمراء الغارقة بالعرق، ودهن الأجساد المعروقة.. وبأم عيني هاتين رأيت ودهشت وتعجبت واستغربت وصدمت وشعرت بالاشمئزاز والأسى الذي يقطع القلوب عندما نزل أحدهم من سيارته وبيده ترمس شاي فارغا وطلب من عامل الكافتيريا أن يملأ له هذا الإناء الفارغ بشاي الكرك، وبعده بدقائق جاء آخر ليطلب من العامل أن يملأ له مرضعة صغيرة ويبدو أنها لطفل رضيع عجزت ربّة البيت المصونة أن تجهز ما يحتاجه طفلها، فأرسلت البعل الشقي بأن يؤدي الواجب الإنساني المقدس بواسطة عامل الكافتيريا.. قُلت يارب لطفك ورحمتك بهذا المجتمع، وبمستقبل أناسه، وبالذات الأطفال الذين صارت مراضعهم بأيدٍ غير أيدي أمهاتهم، وصار حليبهم الساخن يطبخ بأيد باردة، وضمائر لا يعلم غير الله، بأسرارها وسواترها. أسرد هذه القصة ونحن نصرخ ليل - نهار، من الخوف على الهوية والذعر من خلل التركيبة السكانية، ونُطالب الحكومة بالتدخل، والناس عندنا، وهم أهلنا من صلبنا وترائبنا يذعنون للآخر، ويلوذون إليه ويأوون عنده، ويعتمدون عليه في أصغر الصغائر، وهي أعظم الكبائر التي تودي بحياة الهوية.. وأقول للناس عندنا وبالأخص النساء رأفة بأطفالكن، وحماية لمجتمعكن، أدخلن مطابخكن وكلن من عرقكن واحمين مجتمعكن وأحفظن أطفالكن وادرأن الخطر عن أنفسكن لأن الذين يعدون لكم اللقم الجاهزة عندما يفكرون في تصرفاتكن فإنهم يسخرون منكن ويحتقرونكن ولا أحد يدري ماذا يجري في مطابخهم وهم يطهون كل هذا الكم الهائل من الطعام ولا أشك أبداً في أن يكون هذا الطعام ملوثاً مليئاً بالبقايا والنفايات والفضلات التي تبات في الصحون والقدور، وأكواب الشاي التي تتلذذون بشرب ما تحتويه “شاي الكرك”، الذي تجدونه لذيذاً، لكنه في باطن الأجساد له ما عليه وما فيه من علل وأمراض..