حدثت هذه “الفِعْلة” ظُهر اليوم الأول من العيد، الأحد. ذهبنا لنشتري ملابس من محل أطفال، فوجدناه مُغلقاً. لم نكن وحدنا أمام باب المحل المُغلق. بعض الناس يأتون ويغادرون سريعاً وبلا نأمة تردد، وقفتُ وَضيفتي نتأكد من أن المحل مغلق. استدركتْ فجأة قائلة: آاااه؛ اليوم الجمعة. قلت: لا؛ اليوم السبت. وظللنا هكذا بين الجمعة والسبت، وبقية الواقفين معنا أمام الباب المُغلق في حيرة ظريفة منا. تأكدنا بعد مغادرتنا بأنه “الأحد”. فكرنا قليلاً؛ لماذا لم يبادر أحد بإفادتنا بأننا على خطأ، وتوصلنا إلى عدة نتائج يطول حصرها، حتى وصلنا إلى مقهى وطلبنا مشروباتنا المختلفة، مؤكدين للنادل الصعيدي صغير السِن؛ بأنه يوم جمعة ونريد مشروباتنا ساخنة متقنة على نارٍ صافية الذهن. فضحك قائلاً: اليوم الأحد، فأصررنا أنه يوم الجمعة، لعبنا الفكرة معاً بلا اتفاق مسبق. ظل النادل كلما مَرَّ بمائدتنا ينظر ويبتسم، وبين حين وحين يقول لنا: اليوم يوم الجمعة؛ هَه؟!. فَنُؤمَّن على ذلك وتزيد تحولات أساريره إلى فَرَحٍ من نوع فرح الأطفال. ثم ونحن نغادر، حَرَّر عبارة سريعة عبر فمه: ليس هناك أحلى من نسيان الأيام. حكاية أخرى، أَنْبَأ بمعنى الوقت، وأكثر تكثيفاً: انتهى وقت العمل، فلملم أغراضه المعتادة خارجاً من مكتبه، وصل إلى “الإسانسير” ووقف أمامه، ظل واقفاً وليس لديه أدنى شك أو بلبلة في أي شيء، كل ما فعله أنه كان ينظر كلما عَنَّ له النظر في أي اتجاه، فيرى أجزاء من داخل المبنى الذي يعمل فيه، الجميع غادر قبله، فعادته أن يخرج من عمله متأخراً. هدوء تام، وخِفَّة روح، وهو وكل ما حوله يؤدون وظيفتهم على أتم حضورٍ. ثبات مُطْلَق. جاء أحدهم وضغط زر المصعد، فدخل عندما انفتح الباب ليتيقن من أن هذا ما كان عليه فِعْله عندما وصل إلى هذه النقطة السالفة من الوقت. ضَحَكَ مُقهقهاً واستمر متجهاً إلى البيت. السباحة في بحر تعطي انطباعاً متعدداً للراحة والانبساط، وكذلك السباحة في النسيان، وأياً كانت الأسباب المؤدية له، وأهمها كما يقال إن آلية الإنسان الدفاعية تقدم له الكثير من الهدايا حين يكون في معمعة ولا يقدر على التعامل مع كل شيء، حتى ولو مُنَظَّمَاً. أن ترى الشيء وتعرف أنك تعرفه، لكنك لا تعرفه، لأنك غير قادر على تسميته، فهذا انعطاف شِعري هائل، خارج مصير الروتين، وضد مصائر لا حصر لها من الالتزامات. التسمية إذاً هي المدخل لانفتاح باب المعنى؛ الذي تترتب عليه بقية شخصية وتكوين وذاكرة الشيء المراد التعامل معه. هذه ورقة، هذا شباك، ذلك شارع، ومن ثم نعرف بلا تردد الوظيفة المنوطة بكون هذا هو ما هو عليه. في الحكاية الأولى كان النسيان واصلاً لهذه المرحلة، مرحلة التسمية، وفي أمرها كان الاستمتاع جنين اللحظة، إذ يمكن تدارك الأمر على أنه لعبة. أما في الحكاية الثانية، فالموضوع تطور إلى ما هو أبعد من “الشِعر”، داخلاً في “الحدس”، فلم يكن هناك موقع للتسمية، ولا موقع للمعنى، جُلَّ ما كان مُتحققاً كان مُتحققاً على هيئة رفرفة أجنحة لا نهائية لملاك. eachpattern@hotmail.com