بمجرد أن نسمع بأن كتاباً قد تم منعه أو مصادرته في مكان ما من العالم العربي، فإننا نسارع وبكل الوسائل للحصول على نسخة منه، فنتصل بأصدقائنا، ونستنجد بمعارفنا، ونجري اتصالاتنا ونظل نوصي هذا وذاك ولا نرتاح حتى تكون النسخة بين أيدينا، ولا يهم أن نقرأ الكتاب كله أو جزء منه ، أو نقرأه ولا نكمله، لكن المهم أننا حصلنا على الممنوع، وكسرنا طوق المحظور الرسمي، فكل ممنوع مرغوب في كل الدنيا وليس في عالمنا العربي فقط ، ولقد تذكرت حكاية المنع والمصادرة وما تجره من سعي للحصول عليه وأنا أشاهد الفيلم العربي “ فيلم ثقافي “ !! وللعقل العربي مع الممنوع والمحظور قصة طويلة جداً بطول التاريخ العربي مع الثقافة والإبداع ، قصة يتشابك فيها السياسي والديني مع الموروث الاجتماعي ، قصة توزيع أدوار ومصالح ، قصة تتقاسم فيها السلطة الدينية مع السلطة السياسية تلك الأدوار والمصالح، وغالباً ما يدفع الناس العاديون الثمن ، والثمن دائماً ما يكون فادحاً، فأوروبا مثلاً دفعت ثمن تقاسم المصالح بين الكنيسة والملك قروناً من الجهل والتجهيل والتخلف وقتل العلماء ومصادرة الكتب ، حتى تم فك الارتباط بين المؤسستين ضمن تطورات تاريخية طويلة ومعقدة ودامية ! وليست أوروبا وحدها ، فالتاريخ العربي والإسلامي مليء بحكايات حرق الكتب وتكفير العلماء، فابن رشد الفيلسوف الكبير أحرقت كتبه ، ومحمد الغزالي منعت كتبه من دخول بعض الأقطار العربية ، ونجيب محفوظ اعتبر خارجاً عن الملّة، واتُهم بالكفر وتعرّض لمحاولة اغتيال بسبب بعض أعماله الإبداعية وتحديداً روايته “أولاد حارتنا” التي قرأناها منذ سنوات طويلة ولا أظن أنها أخرجتنا من الملّة أو هزّت عقيدتنا بمقدار سنتيمتر واحد! لقد ظل الحظر والمنع هما الأصل في عالمنا العربي، وهما القاعدتان الأساسيتان في التعاطي مع السياسة والدين والثقافة، مع أن الإباحة هي الأصل في الحياة وفي الدين، وليس التحريم ، إلا أن المسؤولين في كثير من البلدان عن قرارات المنع والحظر قد قلبوا الآية والميزان فجعلوا المنع أساساً والإباحة استثناءً ، فصرنا نلهث وراء الممنوعات وبشكل مرضٍ وساذج ومضحك في أحيان كثيرة، سواء كان الممنوع كتاباً أو فيلماً سينمائياً أو رواية أو مجلة أو حتى صورة فقد ذكر أحد الزملاء الكتَّاب أنه حين سمع بحكاية منع رواية سلمان رشدي “آيات شيطانية” سافر إلى لندن ليحصل على نسخة من الرواية ، فقط لأنها مُنعت وأهدر دم مؤلفها . وكتب عن منعها مئات المقالات، لكنها حين أصبحت بين يديه لم يستطع أن يقرأ منها أكثر من أربع صفحات ، ومن ثم ألقاها في أقرب سلّة مهملات واصفاً إيَّاها بالرواية أو العمل السخيف والقميء جداً، بل والتافه ! تماما كما أثارت رواية “وليمة لأعشاب البحر”منذ عدة سنوات لمؤلفها السوري حيدر حيدر عاصفة شديدة وتظاهرات قام بها طلاب الأزهر الشريف في مصر مطالبين بمنعها، مع أن الرواية منشورة ومتداولة قبل الاحتجاج والتظاهر ضدها بعشرين عاماً !! قد سبَّبت تلك التظاهرات وقرار الحظر إقبالاً شديداً على الرواية التي حين قرأتها لم أجد فيها ما يستحق المنع وما يستحق اللهاث الكبير للحصول على نسخة منها، فقد كانت رواية عادية جداً كبقية الكتب التي تُمنع من دون سبب ظاهر، اللهم سوى التوصيات السطحية أو القراءات الخاطئة أو الرغبة في ممارسة الوصاية بأي شكل .