في التخلف وشروط النهضة، لم يكتب أحد أفضل مما كتب الفيلسوف الجزائري “مالك بن نبي”، ولقد قرأت بعضاً من كتبه وآمنت بكل ما ذهب إليه الرجل، خاصة تلك الأفكار التي ضمنها كتابه “شروط النهضة”، وفي طرح الأسئلة التي تدخل في عمق الإشكاليات العربية المتراكمة منذ قرون لم يطرح أحد تلك الأسئلة الحادة واللاذعة. كما طرحها الصادق النيهوم ببساطة وعمق وتحليل ومباشرة، وبين الرجلين كتب محمد حسنين هيكل أكثر التحليلات السياسية رشاقة، وكتب غيره في تحليل الظاهرة وتوابعها الشيء الكثير! وعلى الرغم من أن العلة باتت معروفة، وصار بالإمكان وضع الإصبع على مكان الداء مباشرة إلا أن العلة ما زالت تفتك بالجسد، حتى صار الجسد ثوباً كثير الثقوب لا أمل في رتقه! وحينما نسمع أو ننصت لأداء جيل اليوم حول ما يدور على الأرض العربية، لا يفاجئنا مقدار اليأس، ولكن تصدمنا حالة التبرؤ من كل ما يمت للعروبة وقضاياها، وللأمة وإشكالاتها وللغد واستحقاقاته! هل ينتمي العرب لبعضهم بعضاً حقاً كما كانوا يلقنوننا في المدرسة حين كنا صغاراً؟، هل نحن أمة واحدة تجمعها اللغة ويوحدها الدين، وتتمدد على جغرافيا منبسطة ومتواصلة، ويربط بينها عادات وتقاليد ودم وأصل وتاريخ وآمال واحدة..؟ هل ما زالت “بلاد العرب أوطاني” شعاراً عربياً ساري المفعول أم أن مدة صلاحيته قد انتهت فعلاً؟ هل هناك شك في الشعارات وعدم يقين؟ أم أن هذا الكلام صعب جداً على القلب واللسان والذاكرة.. مع أن الواقع لا يقول شيئاً مختلفاً بقدر ما يؤكد الكلام ويثبته. جرب أن تفتح حديثاً عن القضية الفلسطينية، جرب أن تتحدث عن العراق، عن أوضاع مصر، عن الجزائر، عن السودان، عن الصحراء المغربية، عن أوضاع اليمن الحزين والذي ما عاد سعيداً أبداً، عن العراق عن... وعن... جرب أن تناقش إشكالات هذه الدول باعتبار أن من لم يهتم بأمر العرب فليس منهم، وبأننا يجب أن نهتم ونعرف ونتابع شؤون بعضنا بعضاً كما كان يفعل السابقون، ستجد من يقول لك بوضوح تام: أرجوك لا أريد أن أصدع رأسي بهذه الأخبار، لا يهمني أن أعرف، ولا أريد أن أعرف ماذا يحدث في أي مكان في العالم العربي، أريد أن أهتم بشؤوني، وبوظيفتي وبتربية أبنائي، وعلى العرب جميعاً أن يفيقوا من هذه الأوهام، وحين تسأله عن أي أوهام يتحدث؟ يقول لك: أوهام الوحدة العربية، والتضامن العربي والقومية العربية، فهل هذه أوهام؟ يقول لك بإصرار: إنها مرض العرب الأول والذي يجب أن يعالجوا أنفسهم منه كي يتمكنوا من دخول الزمن.. لأنهم في الحقيقة خارج الزمن! هل هذا كلام شخص واحد؟ نخطئ إذا اعتقدنا ذلك، إنه حديث كثير من الناس بل شرائح واسعة من أبناء العرب، ترى أن نظريات القومية والوحدة والعاطفة الجامحة هي محض أوهام، ومراهقة سياسية، على العرب أن يقفزوا فوقها ليعرفوا مكانهم وإمكاناتهم وليفتش كل واحد منهم عن المكان الذي يناسبه ويليق به! أنا لا أتفق تماماً مع الكلام لكنني لا أرفضه بالمطلق!.