يتوالى هذه الأيام كشف تداعيات الأمطار الغزيرة التي هطلت على مناطق عدة من الدولة إثر تقلبات مناخية لا زالت تتواصل. وشاهدنا صورا حية لمناظر ومشاهد لم نكن نتصور أن تظهر عندنا وفق الامكانيات المرصودة للاجهزة البلدية. ومع توالي تلك المشاهد تسارعت التصريحات من قبل مسؤولي هذه الاجهزة وهي تبرر وتتوسع في تبرير تجمع المياه وتوقف الخدمات من كهرباء وانسيابية المرور بأسباب وعوامل لا تقدم او تؤخر. وهي تبريرات تسمع مع كل ظرف طارئ واستتباعاته، وسرعان ما تذوب وتتلاشى الصرخات مع تباعد المدة الزمنية لوقوع ذلك الظرف. وتتكرر المواقف والصور من دون أن نسمع عن شخص في موقع المسؤولية يعلن عن تحمله المسؤولية ويقرر التنحي طالما ان الموارد والإمكانيات لم تتم إدارتها بالصورة المثلى التي كانت ستغني عن ظهور المشاهد المؤلمة التي شاهدناها خلال الايام القليلة الماضية. لقد كان من التصريحات الغريبة التي سمعنا ما ذكره أحد الاخوة المسؤولين في الشارقة بأن عدة جهات ستجتمع من أجل بحث المشاكل التي تنجم عن سقوط الامطار بغزارة لأن نظام الصرف الصحي فشل في استيعاب المياه!!. مثل هذه التصريحات لا تكشف سوى إصرار على تبرير الأخطاء التي تتكرر، فقبل عامين تقريبا شهدت الشارقة وضعا مماثلا. وفترة عامين كفيلة بإصلاح أي خلل مهما كان. ومع هذا تجددت المشاهد بصورة أكثر إيلاما سواء لجهة الخسائر المادية او البشرية حيث توفي ثلاثة اشخاص صعقا بالكهرباء، وتجاهلنا استخدام الناس لأنفاق المشاة المغمورة بالمياه من دون اتخاذ احتياطات لحمايتهم، بل كان الانتقال عبر تلك الأنفاق وسيلة كسب سريعة لبعض العمالة الهامشية. ومقابل اولئك الذين كانوا يطلبون مقابلا ماديا للخدمات التي يقدمونها للذين حاصرتهم مياه الامطار، كانت هناك نماذج للمواطنين والمقيمين الذين تطوعوا لخدمة الآخرين سواء للذين توقفت سياراتهم عن الحركة وسط البرك او اولئك الذين قدموا آلات ومعدات لسحب المياه. وقد كان الاكثر إيلاما ايضا إعلان بعض شركات التأمين ان الخسائر المادية سواء في السيارات أو غيرها من جراء هذه الكارثة الطبيعية لن يتم تعويضها لأنها غير مشمولة في وثائق التأمين، لأن الذين وضعوا هذه الوثائق كما استشارية الطرق عندنا لم يعملوا حسابا لاحتمالات سقوط المطر بهذه الكميات على الدولة. إن ما اسفرت عنه تلك الظروف يجب ألا يمر من دون ان يستفاد منها في إعادة النظر في التنسيق القائم بين دوائر الدولة من جهة، وكذلك في الذين يتحملون المسؤولية وهم يفتقرون لثقافة تحمل المسؤولية التي تقتضي شجاعة في تحملها والإقرار بوجود تقصير لا الاكتفاء بتبريره فقط. كما نأمل ان تتصدى وزارة الاشغال العامة لمسؤولياتها والتحرك بسرعة لإصلاح ما فسد وخرب وبالذات فيما يتعلق بطرق المواصلات وشبكات الصرف والسدود والجسور في المناطق المتضررة. كما ان هذه التجربة المريرة تكشف حاجة لوجود لجنة تنسيقية عليا بإشراف “الاشغال” من أجل سرعة تنسيق عمليات الصيانة والاصلاحات السريعة، وبالذات مع الجهات ذات الامكانيات والموارد المحدودة. كما كنا نتمنى تحركا سريعا للهيئات المحلية التي تهرع للاغاثة الخارجية وتوظيف خبراتها وقدراتها في هذا المجال.