لا أعرف من الذي أقنع نصف نساء العرب، بأن الطريق إلى قلب الرجل، تمر بالضرورة بمعدته. فقد راحت النساء، بناء على هذه النصيحة، يحشين أزواجهن بألوان المسبّك والمحمّر والنص نص، حتى آل حالهم إلى ما أصاب دبابات الأخ العقيد: غرزت في رمال صحراء سرت. تكشف الروائية التشيلية إيزابيل آلليندي عن وجه آخر للطعام، أو على وجه التحديد عن دوره في العلاقة بين الرجل والمرأة، أو بشكل أكثر وضوحاً عما تسميه العلاقة بين الشراهة والشبق. تغوص إيزابيل في عادات الشعوب الغذائية، وخبراتها في إعداد الأطعمة، واكتشاف مؤثراتها المباشرة والجانبية، لكي تخرج بكتاب عنوانه “أفروديت” يجمع بين دفتيه ثقافة الطعام بين الشرق والغرب، وأكثر من نصفه وصفات مجرّبة لمن يهمه، أو يهمها الأمر. جاءت كشوفات إيزابيل لكي تنير طريقاً سلكه كثيرون على غير هدى. فلم يعرف العرب من مأكل ينعش حضورهم غير الجرجير، الذي يتمتع بينهم بسمعة زعيم لم تدركه مفسدة الحكم. ويبدو أن رجالهم بالغوا في التهام هذه العشبة اليانعة، حتى اكتسبوا صفات الحملان. جلّهم وليس كلّهم. الفئة الناجية من معمعة الجرجير لجأت إلى العسل ومشتقاته وتوابعه. لكن للعسل أعراضه أيضاً. فقد اكتشفت كيلوباترا فوائده التجميلية، فخلطته مع مسحوق اللوز، وطلت به جسدها بعد مغطس الحليب الطازج. وهذا هو السبب الذي تعزو إليه الدراسات التاريخية السمنة التي أصابت يوليوس قيصر ومارك أنطونيو (...). تتصدر التوابل والبهارات قائمة إيزابيل آلليندي للمأكولات التي تشحذ الهمم. وقبل ذلك كنت أظنها الحل المثالي للتغطية على أخطاء الزوجات في الوصفات المعقدة. لكن الدراسات أثبتت دور التوابل في حفظ الأطعمة في بلدان منشأها الحارة، وإن كان ذلك لا يبرر حملات القراصنة والتجار نحو الشرق للحصول عليه، لو لم يكن له ذلك السحر وراء الأبواب المقفلة. بغض النظر عن الفارق بين رائحة الكاري الهندي والعطور الفرنسية. لكن المكانة الخاصة محفوظة دائماً للبحريات. وكانت معرفتي بها مقصورة على ما تحتويه مطابخ الأمهات والمطاعم الشعبية وما يجود به علينا صديقنا أحمد راشد ثاني. وفي قائمة إيزابيل حشد من الكائنات الهلامية والقشريات التي يحتاج منك ابتلاعها، إلى التحلي بشجاعة فدائي والتخلي عن عفة ناسك. الأولى تعوزها القدرة، والثانية تنقصها الخبرة. ومن أعجب ما تتضمنه قائمة أفروديت وكيوبيد ذلك التبجيل الذي تمنحه إيزابيل آلليندي للبصل والثوم. يروي الممثل الوسيم مارسيللو ماستورياني، انه ترك مرة موقع التصوير إلى مطعم إيطالي قريب لتناول غداءه من الباستا المضمخة بتقلية الثوم. وحينما عاد كان عليه أن يؤدي مشهداً حميماً مع ساحرة عصرها صوفيا لورين. والنتيجة لا تحتاج إلى خيال واسع. وكنت دائماً أشك في شاعرة أنجزت للتو قصيدة رومانسية ثم وقفت في مطبخها تقطّع البصل وتفصّص الثوم، لكني تخليت عن شكي عندما شاهدت الفيلم الرائع El Postino. فقد كان الشاعر بابلو نيرودا يقشّر بصلة، وهو يعلّم ساعي البريد كيف يكتب قصيدة بوح لحبيبته. مشكلة نصائح إيزابيل الإفروديتية هي أنها تستهلك جلّ الوقت المخصص للمحبوب في المطبخ أو في مطعم فرنسي. وأنا من الذين يصابون ببلادة ذهنية أمام ثلاثة أشخاص: سياسي عربي يتحدث عن الديمقراطية والمجتمع المدني، وناقد عربي يحاضر في السيميائية ونظريات ما بعد الحداثة، ونادل فرنسي يتلو محتويات قائمة مطعمه. الحل بسيط: تعويذة فيروزية. adelk58@hotmail.com