تمر بجانب مدرسة يفصلها على البنايات المجاورة أو البيوت شارع ضيق، وتلتفت ناحية المباني والمحال، فتجد طيوراً جنحت بجلابيب بيضاء ناصعة، ومعاصم ورؤوس بألوان الطيف، والساعة تقف عند التاسعة صباحاً.. تغالط نفسك، تفكر ربما يكون اليوم، يوم إجازة، وتستعيد الذاكرة، وتتأكد هذا يوم في منتصف الأسبوع، ولا مناسبات معينة قد تجيز لهذا الحشد من طلاب مدارسنا، بأن يتجاوزوا الوقت ويتجاوزوا الأخلاق التربوية، يتجاوزوا أمنيات الأهل بأن يصبحوا السند والعضد بعد أن يحصدوا النتائج الدراسية المفرحة، ويتجاوزوا لهاث وكلاء المدارس والاختصاصيين الاجتماعيين، الذين يراوغونهم من مكان إلى مكان، ويلاحقون خطواتهم من دكان إلى كافتيريا، ولكن لا مجيب، “ولقد أسمعت لو ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادي”.. فطلابنا استحبوا واسترخوا عند البوابات الواسعة، وبين الأصابع، أصابع الديناميت الحارقة، ينفخون منها دخان الفراغ، وينفثون كربون النهايات القصوى لآداب التعلم.. تشعر بالأسى، وأنت ترى هذه المشاهد المزرية، لجيل يُنتظر منه الكثير، ويُتوخى فيه الشيم والقيم، تفكر وتتبصَّر في نفسك وفي أولادك، هل يا ترى سيفعلون ما يفعله الآخرون في غيابك؟.. تزداد رعباً من موقف كهذا؛ لأن الأب الذي يكد ويشقى، يتمنى وينتظر من الأبناء أن يكونوا خلفاً يحقق الآمال ويرفع الرأس عالياً، أما التسكع في الأزقة والمضايق في انتظار لحظة انتهاء الدوام المدرسي، فإنه أمر معيب ومخيب، ويصيب بالإحباط، فأمام هذا التسيب لا بد من وضع قوانين صارمة، ولا بد أن يشارك الجميع في لجم هذه الظاهرة الخطيرة، لا بد أن يضع رجال الشرطة أيديهم في أيدي المعلم وولي الأمر، ليقف الجميع على الظاهرة، ووضع الحلول الناجزة التي تمنع انتشار مثل هذه المشاهد التي لا تُرضي أحداً بطبيعة الحال.
المسؤولون عن التربية، وأقول المسؤولون الكبار، لو يكلفون أنفسهم قليلاً ويقومون بزيارات مفاجئة ليقفوا على الواقع، وأنا متأكد من أنهم سوف يجدون العجب العُجاب، في مناظر يندى لها الجبين ويقشعر البدن، لأن الدولة تصرف المليارات، وتبذل كل جهد من أجل الخروج بجيل يشرف ولا يخرف وينحرف، لذلك لا يجوز أبداً، أن تترك الظواهر، تتراكم وتتزاحم، دون حلول، فهؤلاء شباب، وللشباب فورته وثورته الجسدية والنفسية، ولا بد من ترويضها وتحريضها على القيم السامية، وتشذيبها وترتيبها، وحفظها من البعثرة والفوضى.. فهؤلاء هم رجال المستقبل وهم قياداته ورياداته، ولا يمكن أن يقتنع إنسان بأن تستقيم حال مجتمع، باعوجاج شبابه، لفتة إلى هؤلاء تحل معضلات كثيرة، وتسوي مطبات كأْداء وتعيد صياغة شخصيات هي في أمسّ الحاجة إلى من يوليها الاهتمام والرعاية.
انتبهوا لهم، حتى لا تتلقفهم الأيادي الخبيثة.. وبعدُ لا يفيد الندم.


marafea@emi.ae