عيد الأضحى هو التجسيد الحقيقي في الوجدان المسلم لمعنى التضحية والامتثال لأمر الخالق في أقصى درجاته، فليس هناك ما هو أشد امتثالاً وتجسيداً للتضحية من ذبح الأب لولده الصبي الصغير الذي لطالما انتظره ليشد به أزره، ويفرح به، لكن إبراهيم الخليل يرى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل ، فيعرف يقيناً بأن ذلك أمر لأن رؤيا الأنبياء حق، وحين يسلم إسماعيل عنقه لسكين أبيه، ويهم إبراهيم بذبح الصغير تأتي بشارة السماء: أن قد صدقت واجتزت عتبة الاختبار الأقسى، وأن فداك هو الفداء، قد جاء به روح القدس فداء لإسماعيل، وأن ما نقدمه كل عام لله ليس إلا استذكاراً لذلك الموقف ولتلك التضحية، ولذلك الإيمان والامتثال اللذين لا يمكن تكرارهما بأي حال.
من أكثر ما يثير الاشمئزاز، ويحتاج لوقفة رادعة حالة السخرية والضحك والكاريكاتيرات والنكات التي تطال أضحية العيد أو خروف العيد، والتي لا مبرر لها أبداً، حتى أن حملة السخرية المبرمجة هذه، قد حولت الأضحية من رمز ديني ارتبط بموقف عظيم، ومن حالة دينية سماوية مقدسة الى شكل من أشكال العبث والضحك والتسفيه الذي تمارسه الصحافة ومسجات البلاكبيري، والكثير من الناس دون وعي وتفكير، ولو أنهم فكروا للحظات لعرفوا أنهم يعرضون رمزاً دينياً للتشويه والاستهزاء، وهذا لا يليق بالرمز، ولا المناسبة ولا المسلم في حقيقة الأمر.
لاتزال جدتي حتى اليوم إذا جاء العيد تصر على أن تشهد ذبح أضحيتها امتثالاً لحديث الرسول الذي نادى ابنته فاطمة صباح العيد أن تخرج فتشهد ذبح أضحيتها، كما تحكي لنا والدتي الحديث دوماً، والدتي تدفع للجمعيات الخيرية ثمن الأضاحي، لأنها لايمكن أن تأتي بمن يذبح في المنزل، لكن جدتي لاتزال تصر على أن ذبح الأضاحي في المقاصب الحكومية لا يجوز، وهي غير مقتنعة به، وأن المسلم لابد أن يشهد الذبح، ويقسم الأضحية ثلاثة أجزاء بحسب حديث الرسول في مسألة كيفية توزيع الأضحية، ولنا نحن الصغار في طفولتنا حكايات مع عملية ذبح الأضحية، التي كانت تتم صباح العيد، وتعلق بعد ذبحها في شجرة اللوز التي في وسط الحوش ليتم سلخها، كنا نرى في العملية طقساً غرائبياً يستحق أن نحتشد جميعاً لحضوره، فنصر على دعوة كل رفاق الحي لحضور الذبح، وانتظار توزيع اللحم.
كان لابد أن يتولى ذبح الأضحية رجل تقي وورع، وليس كما هو اليوم أي قصاب والسلام على رأي والدتي، أما حكاية الشروط والأحكام التي لابد من توافرها في الأضحية فكانوا يرددونها بينهم حتى حفظناها قبل دخولنا المدرسة، وما إن تقترب أول أيام شهر ذي الحجة حتى تكون الأضحية قد ربطت في جانب من فناء المنزل، وبدأت عملية الاعتناء بها ورعايتها، فهذه أضحية ستقدم لله تعالى اقتفاء لسنة أزلية، لقد كنا في طفولتنا نعيش ونتعايش مع كل التحولات والأفكار والاتجاهات التي يمارسها أهلنا ونتعلمها منهم، ولذلك كانت تتغلغل فينا عميقاً بطريقة التربية بالاقتداء والممارسة لا بتوجيهات المسلسلات المشوهة.
اليوم لا يعرف الصغار وحتى الكثير من الكبار أي شيء من أبجديات الأضحية للأسف الشديد، بينما نعيش عيداً احتفالياً نسميه العيد الكبير، وعيد الأضحى المبارك.



ayya-222@hotmail.com