بالطبع تحدث قبل الأعياد حركة في الحارة، كأن يزيد المنجد من حضوره اليومي في البيوت، يضرب المطارح، وينفث قطنها القديم والرطب، وينجدها بتلك الآلة التي تشبه آلة السنطور الموسيقية الهندية، ثم يخيط غطاءها بلونه الأحمر المميز، لتعود المطارح جديدة، كذلك يتواجد المُصَفّر الذي يجلي الأواني والمراجل النحاسية ليعيد إليها لمعتها، وهناك البائع المتجول “الليلام” الذي يظل يقرع البيوت باباً باباً، وهناك بائع اختفى من حياتنا اليوم، وهو شاري النحاس “الصفر” أو الفضة من أواني قديمة أو أسلاك أو خيوط فضة قديمة مدقوقة على الثياب، وعادة ما يكون من الغجر، فهو يبادل بها الثياب أو العطور أو الخواتم الفضة أو يشتريها بالمال، المنازل التي عادة ما تصان قبل الشتاء إن كانت طينية أو بعد الصيف إن كانت من سعف النخل، لا يطرأ عليها جديد قبل آيام العيد، فقط تخم وتنظف من داخلها وخارجها، وبعض البيوت المقتدرة تضيء “تريك” نور فتيله أبيض، ويختلف عن “الفنر” أو الصرايّ، لكنها ليلة العيد تشتغل بطقوس الحناء، لا يتخلف عنه رجل أو امرأة أو طفل، فقط تختلف طريقة الحناء عند الذكور عن الأناث، وتجهيز ما يلزم لفوالة صبيحة العيد، والتي تكون دسمة عادة، حيث تقتضي العادة أن لا يقدم الغداء طيلة أيام العيد الثلاثة، إنما يستعاض عنه بـ”هيور” أي من الهجير، في وقت بين الظهر المتأخر وبعد العصر أو يقدمون العشاء، ويتناولونه جماعياً كل يوم في بيت، في عيد الصغير ينشغل الأولاد بتقسيم وتوزيع الفطرة على البيوت، أما في عيد العود فينشغلون بتوزيع لحوم الأضاحي أو بتجهيز وخيفة الشوي، كطقس ينفرد به العيد الكبير، وتنفرد به العين، حيث يتناوب عليها الرجال للذبح وجمع الحطب وورق السمن والهمبا والشوع الأخضر، وتجهيز التنور، وتقوم النساء بغسل اللحم وتتبيله وتمليحه، ووصنع الخلول، سر طعم الشوي الطيب مع رائحة احتراق حطب السمر في تنور مطمور بالتراب ومغطى للتبخر لمدة ليلة بضحاها، غير التطيب والتطهر ومرافقة الأهل في صلاة العيد التي كانت تقام في العراء، وزيارة البيوت والأهل والمعارف، كانت تقام في العين عصراً عند قصر الحاكم العيالة، وفي الساحة العامة تقدم بعض الجاليات كالباتان وغيرهم رقصاتهم وفرحهم بالعيد، ويقيمون حلبة للمصارعة الشعبية بين الأقوياء منهم، وفي ساحة أكبر كانت تأتي جماعات، بعضهم من الغجر، بسبب لون بشرتهم وتزينهم بالذهب والفضة، وممارسة بعض المهن الخاصة بهم، ويقيمون مثل السيرك والألعاب المصاحبة له، بعضها يشبه القمار، والمراهنة، والمشارطة، وبعضها يخص الألعاب الطفولية التي فيها مرح، وفيها حظ يانصيب، في ذلك الوقت كانت كل الأمور مشاعة، ولا تخشب عند أفراد المجتمع، لأنه كان متجانساً، وأقرب للفطرة، لقد غابت أيام العيد، ولم تغب رائحتها وذكراها!


amood8@yahoo.com