أحياناً كثيرة يفكر الإنسان بأن الاستقالة هي الحل السحري لمشاكل العمل، أو أن التقاعد هو الطريق الأكثر أماناً للخروج من معارك الوظيفة بأقل قدر من الخسائر، فهل تبدو هذه الحلول منطقية، هل تبدو مخارج سليمة لمضايقات العمل خاصة في دولة مثل الإمارات؟ عن نفسي كنت أعتقد ذلك حتى سمعت نقاشاً غيّر تفكيري بمقدار 180 درجة! خلاصة النقاش دارت حول التركيبة السكانية في المجتمع، وتناقص نسب المواطنين لصالح تزايد أعداد الجنسيات الأخرى، إذن المشكلة السكانية موجودة كالشمس في وضح النهار، موجودة بشكل لا يمكن طرح الأسئلة المشككة فيها على الإطلاق. والشعوب التي تكون حال تركيبتها السكانية مشابهة لنا، من الخطأ والعيب أن تسهم في تسريع عملية فناء نفسها، من الخطر استجلاب الخطر بأكثر الأدوات والآليات سرعة، وربما كان التنازل عن الحق للآخر الأجنبي، التنازل عن أمكنة العمل والعيش والتقهقر للخلف من أكثر الأدوات التي ستعمل سريعاً على محونا ومحو آثارنا كمواطنين، وهذا ما لا يجب أن نسمح به أو نساهم فيه. إن تنفق الدولة عشرات الملايين على مجموعة من الطلاب ليتعلموا في أفضل جامعات أميركا والغرب، ثم لينالوا أعلى الدرجات العلمية والأكاديمية، وليقضوا سنوات في تحصيل العلم والخبرة، ومن ثم يعودون إلى الإمارات ليقضوا ما بين العشرة والخمسة عشر عاماً في الوظيفة فقط معلنين تعبهم واستسلامهم للضغوط والمضايقات مفضلين الاستقالة أو التقاعد.. لماذا؟ بأي حق؟ وبأي عقل وبأي منطق؟ بالرغم من كل المضايقات، علينا أن نصمد، بالرغم من كل المحاولات، علينا أن نتسلح بثقافة العمل، وأول أبجديات هذه الثقافة يقول إن الصراعات سمة بيئات العمل في كل مكان، وإن البقاء للأفضل والأصلح والأقوى !! لا عذر للذين يفضلون الانسحاب، لا عذر للذين يرجحون راحة انفسهم، لا عذر للذين لا يعرفون أبجديات الصراع في بيئات المكاتب والشركات والمؤسسات والوزارات، ليس علينا كشباب مواطنين نتحدث عن الإمارات ليل نهار وعن المواطنة في كل مكان الا أن نصمد، وأن نحتمل، وأن نبقى، وزير العمل قال منذ فترة وفي مؤتمر عام إن الأجانب يسيطرون على 99% من سوق العمل والوظيفة الخاصة، هذه الحقيقة تفتح أعيننا على واقعنا الوظيفي وخياراتنا وتجعلنا ويجب أن تجعلنا نعيد هيكلة عقولنا وأنماط دراساتنا وخياراتنا لنلج سوق العمل أقوياء لا منهزمين أمام الآخرين ! انه وبحسب التعداد السكاني فإن المواطنين لا يشكلون أكثر من 20% من مجموع السكان، وهذا مؤشر صعب ويحمل الكثير من الدلالات والتحديات، وإن انسحاب الشباب التدريجي من الوظيفة العامة وإحجامهم عن الوظيفة الخاصة بشكل تدريجي كما نسمع كل يوم لا يخدم لا خطط التنمية ولا خطط التوطين ولا يخدم الإمارات الوطن والمجتمع ولا يخدم المستقبل، إنه يدمر كل شيء، وعلينا أن نتوقف عن تدمير أنفسنا وبسرعة !!. لقد تحدثنا طويلاً وكثيراً عن سياسات التطفيش وهي موجودة تحت جلد المؤسسات كما أنها تتحرك بنعومة وسلاسة دون أن تجد من يتصدى لها أو يعاقب أصحابها، ونحن نعلم أن قيادتنا تعمل ليل نهار من أجل مصلحة الإمارات ومصلحة المواطن الإماراتي، ولابد لهذه الممارسات أن تجد طريقها للاندثار يوماً، أو على الأقل التضاؤل والتلاشي تدريجياً، علينا نحن أن نهزم الظواهر السلبية لا أن ندعها تهزمنا في عقر دارنا.