ونحن نتابع هذه الجموع الفرحة بما أكرمها الله به من نعمة، بوصولها للديار المقدسة لأداء فريضة الحج، تابعنا أيضاً جموعاً أخرى من مناطق مختلفة من عالمنا الإسلامي، حملت بين أضلعها حلم أداء الفريضة، ولكن غمرتها الغصة، وهي ترى الحلم يتبدد أمامها بعد أن وقعت فريسة نوعية من البشر لا تتوانى عن استغلال الدين وحلم البسطاء في زيارة البقاع المقدسة، لينصبوا عليهم ويحرمونهم من هذه الرحلة الإيمانية، وضاع الحلم و”تحويشة العمر” التي ادخرها هؤلاء البسطاء.
ففي بريطانيا، تعرض مسلمون يرغبون في السفر للحج لاحتيال من قبل صاحب مكتب للسفريات، وهو مسلم أيضاً، أقنعهم باكتمال إجراءاتهم، ليكتشفوا مع اقتراب موعد السفر أنهم كانوا ضحية نصاب. وفي مطار القاهرة الدولي، اكتشف فوج من الحجاج أن الحلم في الحج تبخر، بعد أن اتضح للسلطات أن التأشيرات التي يحملونها مزيفة من دون علمهم، وأن صاحب مكتب للسفريات خدعهم واستعان بمزيف محترف لتزوير تأشيرات المجموعة التي عادت لمنازلها لا حول لها ولا قوة، والغصة تملأ القلب، والأمل يفيض في النفس أن يكون في العمر بقية تتيح معاودة الكرة لزيارة البقاع المقدسة وحج البيت العتيق.
وقبل أكثر من عامين، تعرض حجاج صينيون لعملية احتيال لنقلهم للحج، ليتركهم مقاول الحج في مطار الشارقة الدولي، وتدخلت هيئة الهلال الأحمر لمساعدتهم. مشاهد تكشف تجرؤ البعض وعدم توانيه عن ارتكاب المحرمات، حتى في أمور تخص العبادات، وتبرز معها واحدة من أبشع صور الإساءة للدين الإسلامي الحنيف ورسالته، والتي لخصها نبي الأمة صلى الله عليه وسلم في عبارة موجزة “من غشنا ليس منا”.
وتذكرت حكاية من الحكايات التي كان يرويها على أسماعنا من خلال التلفزيون قرب إفطار رمضان في السنوات الخوالي الشيخ على الطنطاوي رحمه الله، والذي كان يتردد على مدينة ميونيخ الألمانية، قال رحمه الله إن شاباً ألمانياً أسلم على يديه بعد أن قرأ وتمعن في دين الحق والخصال والمبادئ الفاضلة التي يحض عليها، وأضاف الشيخ المعروف بأحاديثه التي تجمع الحكمة والموعظة والظرف، أن الشاب زاره في المملكة بعد أدائه فريضة الحج، ليعبر عن مدى استيائه لما رأى في بلاد المسلمين وعلى يد مسلمين من كذب وغش وتدليس وعدم صون الحرمات، وبلغ الغضب بالشاب مما تعرض له أن عبر عن رغبته في العودة لدينه، ضحك الشيخ وأخبره أن عليه كمسلم جديد أن يتصدى لهذه السلوكيات وأصحابها، والواقع أن كثيراً من المحسوبين علينا يزينون ويروجون لسلوكيات الكذب والتحايل والاحتيال والغش، على أنها من “الشطارة” والمهارات التي تميز التاجر “الشاطر” عن غيره، كما نجد وللأسف من يروج ويزين للغش في مدارسنا بزعم مساعدة الطالب، وعدم إحباطه بسبب درجة أو درجتين!! وأصبحت لدى الكثيرين عادات غريبة في تلوين الكذب بين أبيض وأسود. ومع تفشي الأمر، نتذكر قول الإمام محمد عبده عقب عودته من رحلته إلى أوروبا بأنه وجد هناك “مسلمين من دون إسلام”، وكان الله في عون الجميع.


ali.alamodi@admedia.ae