بعد “الربيع” المتألق بألوان الفرح العصبي، يتربص بنا صيف حار ورطب، تتلون أزهاره بألوان الاحتقان الأزلي، والأنا المتضخمة، واللاءات التي لا تختلف عن سابقاتها في الماضي العتيد.. المعارضات العربية، والتي استوطنت فنادق السبع نجوم وفي تخوم أوروبا الديموقراطية، وتذوقت طعم الحرية، بلسان عربي فصيح وجريح بموروثاته، ومخزونه الثقافي الذي لا يغيب عن ذاكرة أحد، أجزم أن هذه المعارضات الخارجية والداخلية أنها لم تغير زعاماتها منذ أن نشأت في عشرينيات هذا القرن الماضي، إلا الذين غيّبهم الموت، لينشأ بعدهم عتاة آخرون وهكذا.
إذاً لا نستغرب أبداً إن تشاحن رموز المعارضة في تونس واتهموا حركة النهضة بالوصولية واستغلال وضع الحركة المالي، للفوز بالانتخابات.. ولا نندهش كثيراً إن تشابكت الحبال عند إخوتنا في معارضة سوريا واتهمت معارضة الداخل معارضة الخارج بالقفز على “الثوار”، واتهمت معارضة الخارج معارضة الداخل بعدم القدرة على قيادة المرحلة، لفقدانها الخبرة الحزبية.. ولا ننصدم عندما نسمع عن إفلات أمني في الشارع المصري لغياب النظام ولتوزع المهام الأمنية، بيت عسكر يمسكون بالنواجذ سلطة الأمر الواقع، ومعارضون وناشطون، وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها، أنهم حكام مصر الجدد الذين تاهت منهم السلطة بفعل فاعل مجهول مبني على الفوضى العارمة.
ولا نشعر بالعجب، إن أطلق المحللون والمفكرون، ومنظِّرو الفضائيات صرخاتهم مستنجدين بالفراغ، من سوء ما يبشر به المستقبل للوضع في ليبيا، لأن الأسلحة الفتاكة من ترسانة “المرحوم” لم تزل تائهة في البيوت والزنقات، وبأيدي من تشربوا القتال، وشموا روائح الدم، ولا يستطيعون التخلص من الآفة التي لحقت بثيابهم وجلودهم وأنوفهم.
أردنا أن نقلد الغرب، فقد نقع كما وقع عباس بن فرناس، حين لبس الجناحين المزيفين، واعتقدنا أن الديموقراطية، مجرد فكرة تخطر على بال مراهق، أو منافق، فجأة ثم تطبق بحذافيرها على الأرض، ونسينا أن الديموقراطية لم تأت من فراغ، بل إن هناك جهوداً فلسفية وثقافية، وتربوية، وسياسية، أدت إلى اختمار الفكرة لتصبح حالة ثم ظاهرة، ثم واقعاً إنسانياً يستطيع الأفراد أن يمارسوه ويتفاهموا عليه، كما يمارسون الأكل والشرب، وكما يتنفسون الهواء.. المتورمون الذين يكرهون هذا النظام أو ذاك يعتقدون أنه بمجرد زوال رأس النظام، تزول القمة ونسوا أن أي نظام سياسي، هو وليد نظام اجتماعي، ومخزون ثقافي ويحتاج تعديله إلى تطهير ثقافي، وتنظيف داخل الأفراد قبل النظام “المكروه”.. التغيير الاجتماعي ليست مزحة، ولا فسحة في دهاليز مجتمعات ومؤتمرات ومحاضرات، التغيير يحتاج إلى تصالح مع النفس وإلى قدرة فائقة على حب الوطن قبل الانتماءات الزائفة.. ومن يحب وطنه لا يستقوي بآخر مهما صدق فهو كاذب.


marafea@emi.ae