من لديه اطلاع على الثقافة المسيحية والكتاب المقدس، سيعلم أن العنوان مشتق من آية جاء فيها: “وكان روح الله يرفُّ على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهاراً، والظلمة دعاها ليلاً...” (تكوين2:1ـ5)، ومن الواضح أن الآية تتحدث عن خلق الكون. وفي سياق آخر ولكنه غير منفصل في تجليات الشخصيات والمضامين، فإن “ليكن نور” هو عنوان الرواية الأولى للأديب شفيق خليل سواحلية، وهو كاتب فلسطيني مقيم في الإمارات، وقد صادف أنه كان يكتب روايته هذه، وكنت أراجع روايتي “فتنة كارنيليان”، وما جعل الحديث يتواصل بيننا هو أن مكان الروايتين يقع في الإمارات، وتحديداً في مدينة أبوظبي، وما يجعل أبوظبي مكانا خصبا للرواية، كونها جذبت جنسيات من كل أنحاء العالم، بما فيها الوطن العربي، وأكاد أجزم، أن خلف قسم كبير من هذه الشخصيات روايات جديرة بأن تُكتب، وقدر الكاتب أن يراقب ويسجل ويحفظ ويتأمل ويرصد، ثم يقرر في ما إذا كان هذا المخزون يستحق أن يتشكل في رواية. شفيق خليل يعمل في الإمارات منذ سنوات طويلة، وعينه القصصية والروائية، جعلته يؤمن أن مخزونه الإنساني والحياتي يستحق أن يُكتب في رواية، ليرصد حيوات شخصيات عربية وغير عربية تعمل في الإمارات، ليكتب مراحل حياتهم، راصداً مرور السنوات بهم، وفلسفاتهم، ومبادئهم، ومشاعرهم، وصخبهم، وهدوئهم، وأخطائهم وصوابهم، وطموحاتهم، بلغة سردية ممتعة، يتداخل فيها الساخر بالجاد، والتأمل بالصخب، والفرح بالحزن، وقد فعل شفيق خليل كل هذا دون أن ينسى الذاكرة ومحمولات الماضي، التي حضرت مع كل شخصية من الشخصيات، وبالنسبة لأبي ربحي، الشخصية الرئيسية الفلسطينية المسيحية، فإنه بلا شك، حضر إلى الإمارات وبداخله انكسار عاطفي ووطني، رافقه في وحدته الطويلة سنواة عدة. ولا يعيب الرواية أن بطلها مسيحي، فقد أعطاها نوعا من التفرد، كما منحها شيئا من الحرية، ومدنا الكاتب من خلالها بشيء من الثقافة المسيحية، التي لا تختلف كثيرا عن الثقافة الإسلامية في جوهرها الإنساني. أما لماذا “ليكن نور”، فلأن الكاتب، بعد الأحداث الأليمة التي تعرضت لها الشخصيات، ولاسيما شخصية الشاب العراقي، يفتح كوة في الظلام، كما يفتح باب الأمل لتتمكن النفس البشرية من مواصلة الحياة. شفيق خليل يمتلك لغة نابضة بالحياة، متأثرا كثيرا في ترتيب جملته بالكتاب المقدس، لديه نفس جميل في سرد الحكاية، يكتب وكأنه يتحدث، ما يجعل القارئ ينصت له دون ملل. في حديث مع صديقي الشاعر المتميز سالم بوجمهور في اتحاد الكتاب، تحدثنا عن كيفية توظيف هذه الثقافات المتواجدة في الإمارات، لتشكل مع الثقافة والتراث المحليين لوحة جميلة ومتميزة، قلما تتوفر في مجتمعات أخرى.. إذن، ليكن نور. أنور الخطيب akhattib@yahoo.com