فلسطين الموعودة بالظلم والقهر والعدوان، لأول مرة تحصل على إجماع يضعها في قلب المهمة الإنسانية، فتفوز بعضوية اليونسكو بتأييد 107 أصوات من مجموع الأعضاء البالغ عددهم 195 عضواً.. صحيح أن الانتماء الى اليونسكو لن يحرر أرض فلسطين، ولن يردع الجيش الإسرائيلي عن تهشيم العظام، وتحطيم المقام، ولن يجعل فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة، لكنه أيضاً يعطي إشارة واضحة مهمة للفلسطينيين أنفسهم بأن العالم ليس كله مشحوناً بالعدوان، وليس جميعه يعيش أوهام القوة التي تدفع بالشوفينية نحو غايات جهنمية لا تحمد عقباها، وكذلك يلوح لإسرائيل بأنه ما سادت أمم إلا وبادت بفضل جبروتها وطغيانها، واستقوائها على العالم بكل ما تملكه من ترسانة حديدية فتاكة. أما بالنسبة للفلسطينيين فعليهم أن يتخلوا عن معنى “أنا ومن بعدي الطوفان”، ويضعوا مصير فلسطين في المُقلة تجاه القِبلة، وأن ينبذوا الانتماءات الأيديولوجية، ولا يغلبوا غير عقيدة فلسطين، لأنه ما من قوم تفرقوا إلا واستولى عليهم الذل والهوان، لأن الآخرين لا يفهمون غير منطق القوة، ولا يفهمون أي معنى للانسجام والالتئام بين الشعوب، حتى وإن تباينت رؤاهم واختلفت أعراقهم. الفلسطينيون الذين يشهرون الحقد في وجوه بعضهم البعض، فإنهم يصيبون القضية الكبرى في مقتل ويفسحون الطريق لآخر عدواني بأن ينفذ مخططاته بكل سهولة ويسر. المطلوب الآن بعد هذا الدرس الأممي أن ينظر الفلسطينيون بعين الاعتبار لأهمية الوحدة الفلسطينية وأهمية تأجيل كل النزاعات والاختلافات؛ لأن الاتجاه صوب الهدف الواحد أهم من كل الشعارات التي لا تسمن ولا تطعم، ولا تكفي لأن تكون مجرد صفار لجماهير كروية غاضبة. المطلوب هو العقل، وعلى العقل أن يحضر حالاً، ويسود ويفعل فعله الذي لا يغلب أي قضية على قضية فلسطين الدولة المحررة. أما إسرائيل، والتي عانت كثيراً من الدلال، وشرب الزلال والانحلال من كل القيم الإنسانية، عليها أن لا تنتظر كثيراً وألا تؤجل إحقاق الحق إلى غد أو بعد غد، لأن الظروف التي أوصلتها الى دولة مسيطرة، مستبدة، لن تدوم إلى الأبد، وليس في التاريخ ما يثبت أن دولة استعمرت شعباً وبقيت إلى أبد الآبدين، فلا بد من زوال، والزوال قد يكون مؤلماً، الأمر الذي يجعلنا نقول لن تستفيدوا طويلاً من ضعف الفلسطينيين وانشقاقاتهم وتصدعاتهم وانهياراتهم، فالجيل القادم لن يقبل بهذا اليباب ولا الضباب، جيل سيأتي يطالب الجميع بأن يتخلى عن دور الممثل الفاشل، وسوف يتأبط هذا الجيل إرادته ويزيح كل العقبات لأجل فلسطين حرة، تتعايش مع الآخر بكل صفاء عقائدي وكل رخاء ثقافي، وبإمكانات هائلة للعطاء والسخاء من أجل بناء بلد لا تتنازعه رغبات المستفيدين من الانشقاق، ولا تتقاذفه سياسات محلية ودولية. marafea@emi.ae