جرائم الخادمات متعددة بألوان وأطياف من الأساليب الشريرة، والنتيجة واحدة.. صفع المجتمع بحزمة من القيم التي لا تليق والتي تحيق به وتسحقه وتمحق عاداته وتقاليده. والأسباب؛ لأن الاختلاف في القيم الحضارية، وأساليب التعامل والاتكالية المزرية من قبل بعض الأسر، كل هذه المنظومة الأخلاقية هي دعوة صريحة للخلل، وهي نداء مباشر لهذه الشريحة بأن تخرج عن الطوق، وأن تتحدى كل ما يحيط بها، وكل ما يهمنا حتى الحياة. لا أتصور أن كائناً حياً ينزلق إلى الكراهية الشديدة لنفسه ويذهب بعيداً إلى الموت إلا لأن أسباباً قاهرة تدفعه دفعاً لأن يستبد بالآخر، كما يحتقر نفسه إلى درجة الإيذاء، وأحياناً الفناء.. وجود الخادمة في البيوت أصبح أمراً حتمياً لا مفر منه، وطالما أصبح كذلك فلا بد من أن نتغير، ولا بد من أن نأخذ بثقافة الحب والاحترام للآخر، ولا بد أن نتخلص، ولو بقليل من الجهد، من الاتكالية وموت المشاعر. الخادمات في البيوت أصبحن أهم من ربات البيوت لأنهن يدرسن، وينظمن، ويستمعن إلى أدق التفاصيل، ويمارسن حقوقاً سلبنها من ربات البيوت، أو هكذا قبلت الزوجات بأن يصبحن وجوهاً صامتة، جامدة، وإرادات متجمدة، وعيوناً لا تنصب شراكها إلا لجيوب الزوج، وذهابه وإيابه، ودخوله وخروجه من المنزل بدافع الغيرة فحسب ولا غير.. وأحياناً قد تأخذ الغيرة مشارب ومآرب ومثالب قد تعود بردود فعل عكسية تستفيد منها الخادمات، ويحققن ما لا يتحقق إلا في الأحلام. إذاً وبعد أن وصلت العلاقات الزوجية إلى ذروة الشقاق والنفاق الاجتماعي، بعد أن تبوأت الخادمات مناصب عالية جداً في البيوت، فعلينا أن نجتهد من أجل إعادة صياغة هذه التركيبة الاجتماعية الجديدة.. فلا نفرط في الاتكالية، ولا نفرط في فرض القيود التي تؤدي إلى انفجارات كونية في نفوس من جاءوا لكي يكسبوا لقمة العيش، لا أن يوضعوا في أقفاص وزنازين. نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب البيوت وتنظيم العلاقة، وتهذيب النفوس وتخليصها من الكبرياء المزيفة ومن العجرفة الخائبة والتزمت المقيت. نحن بحاجة إلى صناعة أخلاق جديدة تتلاءم مع التركيبة الجديدة، وتتواءم مع الأجسام الغريبة التي انسلت إلى بيوتنا وتسللت بإرادة منا، ونحن بحاجة إلى تغيير في السلوك الاجتماعي لننجو من آثام العلاقات غير المبررة، وغير الواقعية، وغير الإنسانية.. نحن لا بد أن نمارس حقنا في السيطرة على مجريات ما يتم في بيوتنا، كما أن من حق الخدم أن يحققوا ذواتهم من خلال التقدير لجهودهم، وما يقدمونه من خدمات أصبحنا نحن عاجزين عن القيام بها، حتى ولو كابرنا فلن نستطيع؛ لأن الواقع الاجتماعي فرض على نساء البيوت أن تستمر أيديهن ملساء بضة، غضة، لا تشوبها شائبة، رتوش أو شروخ، ولا بد من أن تظل أصابعهن مغسولة بالمراهم والزيوت لكي لا تفقد بريقها ولا تخسر اللمسات الحانية. نحن بحاجة إلى الخدم، كما أنهم بحاجة إلينا، والمنفعة متبادلة، فلا بد أن يستمر الاحترام متبادلاً لمنع الجريمة وكبح جماح فقدان الأمل.