تتواشج في المعرض الأخير للتشكيلية اليمنية آمنة النصيري (المركز الثقافي الفرنسي بصنعاء) عدة إشارات تجسّد ثيمة وحيدة وتؤكد رؤية شاملة تجتمع حولها الأعمال هي الخوف، يلخصه عنوان المعرض (حصارات) الذي يتأكد بدءاً من بطاقة الدعوة والدليل المصاحب للمعرض حيث كانت الصورة الفوتغرافية للفنانة معصوبة العينين برباط أسود وتوضحها الكلمة التي قدمت بها النصيري معرضها في الدليل نفسه حيث تحدثت عن “مأساة تغلف كينونة الفرد.. اليائس.. المحاصر بعنف الخارج وفكره وآلاته الكابوسية المنذرة بكارثة كونية.. فيختبئ الكائن في داخله ليموت، أما العالم المحاصر بالخوف فيتداعى أيضاً”، واستكمالاً لهذا الإعلان النظري عن حصارات متعددة داخل الإنسان وخارجه تأتي الأعمال مجسدة ذلك الرهاب القاسي الموصوف تخفيفاً وتلطيفا بالخوف، فهو رعب حقيقي مثلته شخصياتها ـ وهي نسوية كلها بلا أوجه ـ بينما أجسادهن ملفوفات بما يشبه الأكفان التي تغطيها.. فالكائن ـ المعبَر عنه اختصاراً هنا بالمرأة ـ لا يملك حتى قدرة التعبير عن رعبه، فهو بلا سمات أو ملامح لذا تظل له مساحة الحركة حول نفسه والاستسلام لكوابيسه والعودة للاختباء في داخله ملفوفا ـ أو مقمطاً ـ لا فرق بين ولادته وموته، لذا فالشخصيات لنساء صغيرات وكبيرات وبهيئات طيور محنطة أو دمى متقابلة متكررة.. بنية الحجب والاختباء مسيطرة انطلاقا من النقاب المخفي للوجوه حتى الأكفان البيض المحيطة بالأجساد أو الأسلاك المقيدة للأيدي، والصناديق التي تخفيها فتخرج منها مستغيثة مستنجدة. في المعرض انتقالة حادة في خط سير الفنانة كما قدمته معارضها الاحد عشر السابقة، فهي هنا تستفيد من وسائط متعددة وتخرج على مفهوم اللوحة وتقنياتها المألوفة وعناصرها البنائية التقليدية، مجسدة أفكار ما بعد الحداثة وتعاليمها التي تتيح كل شيء خارج الفن نفسه، فتمزج النصيري معالجات كثيرة متعددة المراجع، ليجد المتلقي نفسه في لقاء بصري متنوع: تحضر فيه الصورة الفوتغرافية المعدلة كومبيتورياً، والعرض الفيديوي القصير لفتاة تحاول الخروج من الأغلفة المخفية لجسدها لكنها إذ تخرج وترى العالم تعود ثانية للاختباء رغم ما عانته من أجل الخروج وجسدته الموسيقى المصاحبة لحركاتها وهي داخل الأكفان والأكياس المخفية لجسدها كله. ثم في قاعة منفصلة تتسلم عينا المتلقي أعمالا تعتمد على مواد محيطية كالأقفاص والصناديق وهي تخفي بدل الطيور مثلا رؤوسا بشرية ملفوفة بالأبيض وما يوحي بالكفن، بينما تدور تلك الأشياء فيكون على المتلقي أن يدور ببصره معها مشاركا في معاناتها في عالم قاس وزمن مربك كما وصفته الفنانة في دليل المعرض ووجدت أن الروح تتشظى فيه وتتلاشى القدرة فيعيش الإنسان في (سجن الأفكار). لقد اشتد حضور الكابوس وتمددت عدواه إلى إحساس المشاهد فخرجت اللوحات من أبعادها واستعانت بتلك الوسائط المستعارة من مصادرها للتعبير عن حصارات أحاطت بالفنانة وبالكائن المختبئ داخل نفسه خائفا عاجزا رمَزته المرأة لأنها أشد معاناة له.