يعتبرالروائي الفرنسي برنار ماتيو Bernard Mathie من أهم الروائيين الذين نالوا إعجاب القراء الفرنسيين الباحثين عن رواية لا تحدّث عن ال هنا، بل عن ال هناك، ولا تدور أحداثها في فرنسا أو في أوروبا، بل هناك في البرازيل أو في أفريقيا أو في آسيا. حتى لكأن الرغبة في الترحال والسفر هي التي تتملّك قراءه وتحثهم على اقتناء أعماله الروائية. بدأ برنار ماتيو حياته صحافيا. لكنه صحافيّ اختار الإقامة في السفر وتغطية الأحداث الدموية التي تجري في أكثر من بقعة في الدنيا. أقام في لبنان ردحا من الزمن وغطى ما عصف به من أحداث جسام، ثم قصد إيرلندا الشمالية، ومنها توجه إلى نيكاراجوا ثم الفلبين ورومانيا والتشيلي. وحين وصل إلى البرازيل نجح في كتابة ثلاثيته التي كُرّس بعدها من أهم كتاب الرواية البوليسية في فرنسا. حملت الثلاثية العنوان التالي: “ثلاثية دم الجدي”، وحمل الجزء الأول منها عنوان “زِي Zé” وحمل الجزء الثاني عنوان “عُطيل Otelo” وحصد جائزة الرواية البوليسية. أما الجزء الثالث من هذه الثلاثية فاختار له عنوان “كارميليتا Carmelita” ونال عليه الجائزة الكبرى التي تمنح للرواية البوليسية. وحين تم تحويل الرواية إلى شريط سينمائي نال عليه الجائزة الكبرى لأحسن فيلم بوليسي. أصدر برنار ماتيو هذه الأيام رواية تحمل عنوان “من أقاصي الزمان”، وتدور أحداثها في جنوب غرب أثيوبيا على ضفتي نهر كيبيش بالقرب من الحدود السودانية، وتحدّث عن قبائل السيرماس. وهم قبائل بدائية رعوية لم تنفك عن مقاتلة بعضها البعض منذ ليل العصور بغية الاستحواذ على منابع المياه والمراعي. يصل البطل هايلو Hailo وهو أفريقي أثيوبي خالص مع زوجته الفرنسية هيلين Hélène إلى مضارب قبائل السيرماس مكلّفا بمهمة إقناع الجميع بضرورة عقد الصلح والجنوح إلى السلم. وفي حين تقع الزوجة فريسة للضجر والهلع من طرائق قبائل السيرماس في التنكيل ببعضهم البعض، يشرع زوجها هايلو في البحث عن شيوخ القبائل المتحصنين وراء جبال وعرة وبراكين عديدة بعضها نائم وبعضها تدوي الحمم فيه تكاد تتطاير إلى السماء. لم يتمكن هايلو من إعلام زوجته الفرنسية أن أحد الأوروبيين المتنفّذين قد كلّفه، مقابل مبلغ مالي هائل، بدراسة المكان وضبط خرائطه لأنه زاخر بكميات هائلة من النفط. وحين يقرر أن يعلمها يفاجأ بأن الضجر قد أتى عليها فرمت بنفسها في مياه النهر وانتحرت. إن طريقة ماتيو في المزج بين وصف الطبيعة المتوحشة البكر ومشاهد المعارك بين رجال عراة بالكاد يسترون عوراتهم، وانتقاله من السرد إلى الحوار، واستخدام طريقة الاستباق والتلفت لحظة سرد الوقائع هي التي مدّت النص بأدبيته. لكن الرواية لا تحدّث عن قبائل السيرماس باعتبارهم من البدائيين بقدر ما تحذّر من الخطر المحدق بهم وبأفريقيا كلّها، الخطر القادم من الغرب المتعطّش للدم والنفط وأشياء أخرى.