في قضية اغتيال محمود المبحوح تعاطت شرطة دبي مع القضية بشفافية عالية واستطاعت أن تضع المتتبع والمهتم أمام خيوط حريرية ملساء ناعمة لا خشونة فيها ولا رعونة حولها، والتصريحات التي أدلى بها الفريق ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي كشفت قدرات رجال الأمن في بلادنا وإمكانياتهم العالية في الالتزام بأخلاق المهنة والانحياز نحو البحث عن الحقيقة من خلال توضيح الحقيقة ووضعها أمام المتابع دون رتوش أو هوامش أو رموز، الأمر الذي يجعل الموضوع ساطعاً لامعاً لا تشوبه شائبة. كذلك فإن القدرة العالية على التجرؤ والثقة بالنفس وعدم التردد في سرد المعلومات والسير بالمتابع خطوة خطوة باتجاه ملابسات القضية من تعقيدات كون الجهات التي قامت بتنفيذ عملية الاغتيال ليست جهات مبتدئة وإنما هي تنتمي إلى أجهزة عريقة ولها باع طويل في مجال الجرائم الإنسانية. شرطة دبي تعاملت مع الموضوع كقضية “جريمة” وبدون عواطف عملت بالعقل وبالفعل غاصت في صلب القضية لأن الجريمة حصلت على أرضنا ولأن الجريمة لم تكن في حق المبحوح ومنظمته وإنما هي أيضاً إساءة إلى مجتمعنا الآمن المطمئن ومحاولة فرد عضلات لجهات تمرست على مد الأذرع دون احترام لقواعد العلاقات البشرية ودون مراعاة لقوانين دولية ودون وازع أخلاقي يمنع قوانين الغاب وشروطه الهمجية البشرية. شرطة دبي عالجت القضية من دافع أن الجريمة تمس أمن البلد وأن الجريمة اختراق لأخلاق الإنسان، ولأن الجريمة في حد ذاتها أمر مشين وكريه لا نقبله لعدو ولا لصديق.. تابعت تفاصيل الحديث عن هذه الجريمة وسررت جداً للكفاءة العالية لجهاز شرطة دبي في مواجهته لأسئلة الإعلام فكانت الشجاعة في المواجهة دون وجل أو كلل، بل إن الصراحة كانت تسجل حضوراً كبيراً والمشافهة تلقي بظلالها على الأحاديث الصحفية ما جعل الثقة تكرس جذورها بالنفوس وسلام الخاطر يغرس قيمه في الصدور.. أعجبني جداً عدم اللجوء إلى الفرقعة الإعلامية وعدم الانغماس في ترهات ما يحلو للبعض أن يغوص فيها وأعجبني هذا الهدوء والاطمئنان والثقة بالقدرات التي ظهرت فيها تصريحات الفريق ضاحي خلفان.. أما عن الجريمة في حد ذاتها فإنه طالما الخير موجود في كل مكان فأيضاً الشر موجود ووقوع الجريمة سواء في الإمارات أو أميركا أو سريلانكا أمر بديهي، المهم كيف نعالج موضوع الجريمة وكيف نكون نحن وقت الشدائد، هذا ما أكدته شرطة دبي وهذا ما يجعلنا نفخر أننا في دولة حضارية فائقة التميز في تعاملها مع الأحداث الجسام، وهذا ما يجعلنا نصفق لكل مسؤول يحترم الإعلام ويتعامل معه كمرآة لنقل الحقيقة حتى لا يفترس الغموض الأذهان والأشجان.. وهذا ما يجعلنا نقول إن بلادنا بألف خير طالما العلاقة ما بين الإعلام والمسؤولين علاقة القاسم المشترك.