لم تعد مشكلة التوطين تخص المؤسسات الخاصة أو العامة فقط، وإنما هي مشكلة مرتبطة بجذور مختلفة المعاني والمشارب.. هُناك ثقافتان ابتلي بهما المجتمع.. ثقافة المؤسسات التي صنعت لها مبررات، وارتكزت عليها كثوابت ألا وهي أن المواطن لا يصلح لبعض الوظائف خاصة منها التقنية والتي تحتاج إلى قدرات خاصة وخبرات طويلة المدى.
ثقافة أخرى هي ثقافة المواطن التي نشأت معه منذ نعومة أنامله على أنه المواطن يحق له ما لا يحق لغيره، ويجوز له ما لا يجوز لسواه من بني البشر، لأنه يجب أن يحوز رخصة القيادة قبل السن القانوني، وإن لم تتوافر فإن لديه طرقه ووسائله الخاصة للقفز من الباب الخلفي وصولاً إلى عجلة القيادة ثم الترعرع في الشوارع العامة، وما أدراك ماذا يحصل في هذه الشوارع من فواجع.. ثقافة المواطن هي أن يسقط من حساباته كل قوانين الخدمة المدنية لأن لديه قانوناً ذاتياً أسرياً نشأ عليه ولا بد أن يطبقه كل مسؤول في أي دائرة أو مؤسسة رغماً عن أنفه ليس لشيء، فقط لأنه مواطن، فله الحق أن يحصل على الوظيفة التي تناسبه وترضي غروره، وتسعده أمام أقرانه، ولأنه مواطن فمن حقه أن يحضر أو يتغيب متى ما أراد وأن يختصر ساعات العمل متى ما شاء، وأن يجلس على مكتبه دون أن يلبي مطالب الوظيفة حتى وإن كلَّت أقدام المراجعين المرتبط مصيرهم برضاه أو عدم رضاه.
من هذه الزاوية الحالكة، يقفز القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية والحكومية وتنتشق سيف البت في الأمور المصيرية قائلة.. هذا هو المواطن لا يلتزم ولا يحترم الوظيفة، إنه يتعالى على العمل ورئيس العمل.. بطبيعة الحال، مثل هذه الأسلحة الفتّاكة والخطيرة ما كان لها أن تمشي على الرقاب دون حساب لولا أن وجدت من يمهد لها الطريق ليشعل الحريق.
نقول بكل صراحة وجدية، هذا المواطن الذي هيأته ظروف اجتماعية معينة ليكون هكذا، هو ابن لمواطن عبر البحر وشق الصحراء، وتلظى وتشظى واستطاع أن يصنع مجد بلده بساعده، وتمكن من نسج خيوط تاريخ هو الآن الأساس لكل ما نشهده من صورة رائعة في بلادنا.. إذن المشكلة لا تقع في العرق والفطرة، بقدر ما هي ثقافة تحتاج إلى تطهير وعلاج فوري تشترك فيها جهات إعلامية وثقافية وصحية وتربوية.
أما عن رفع الرسوم أو تخفيضها عقاباً أو ثواباً، فهو جزء من العلاج وليس كله.. نحتاج إلى همة، وشبابنا يملكون من القدرات الهائلة ما يجعلهم فخراً وذخراً، فقط كل ما يحتاجونه الكف عن ثقافة الألوان البراقة، والبعد عن تزييف المشهد، والامتناع عن تشجيعهم على بسط نفوذ الرغبات الطائشة، لأنهم يملكون القدرات، ولأن ذهنيتهم أقوى وأصفى من ذهنية الكثير من الخبراء، نحتاج إلى شبابنا ونحتاج أكثر إلى تثقيفهم ثقافة حب العمل من حب الوطن، والاثنان لا يستقيمان إلا إذا استقام عود الطموح.

marafea@emi.ae