يستغل الفنان التشكيلي عنصر الزمن، لكي يعود خطوات للوراء، يتذكر الخطوط التي كان ينسجها على جدران المنزل، فلو لا هذه الخطوط لما أصبح الآن فناناً، الزمن هو الوسيلة الأقدر على ربط المعاصرة في الفن بالمجتمع وأن الفن التشكيلي المعاصر لم يوجد صدفة، بل إن بدايته كانت عبارة عن رغبة في التعبير، عن عبث الطفولة، الذي تحول إلى منتج يدور حوله الجمهور، ويعرض على أرض الفنون. لقد استطاع الفنان أن يحول عبث الطفولة، إلى كلام مصنوع بدقة، وكتابة مكتملة الحروف والمعاني، وإلى موسيقى موزونة ضمن ترددات فيزيائية مختلفة الشدة، حقق من خلال هذا التحول، صورة للمباني الحديثة، المتلاصقة والمزدحمة بالبشر، وحقق الرسالة التي تطالب بها الإنسانية، بعدم هدر قوة الطفولة، وقتلها مجرد أنها تتعاطى العبث التعبيري، سواء في الكلام أو «الشخبطة» الكتابية واللونية. يرسم الفنان في طفولته صوراً لمدينة مصغرة، يتخلل المدينة الصغيرة ذكاء فطري في التعامل مع الطول والعرض والارتفاع، بالإضافة للزمن، فالأبعاد الأربعة لها قدرة على الاتساع عبر الزمن، لتشمل عناصر مختلفة، ويحدث تطور في المدينة الوهمية، التي بدأت بعبث الطفولة، وانتهت بسلسلة من الأحداث، تتركز حول مفهوم التطور الفكري للمدينة، فعند نضج الفنان، يصبح قادراً على تحقيق المعجزة، ببناء مدينته الخاصة عبر الفن. والنشاط الفني هو في الواقع، نشاط فكري مرتبط بعقل الفنان، وليس بعضلات الفنان، لذلك تجد النشاط الفني يبلغ أعلى قمة، إن استطاع الفنان، رسم عبث الطفولة، وإدراك هذا العبث، لأن العبث ما هو إلا نشاط فني، حديث الولادة. هذا الطفل الحديث، ينمو ويكبر عبر الرغبة، في التعلم والتطور، وهذا لا يكون إلا إذا وجدت البيئة الخصبة والمناسبة للحياة الفكرية للفنان نفسه. لذلك تجد الفنان يتأمل الذاكرة، حين كان يصرخ أثناء عملية «الشخبطة» في فترة الطفولة، ويصمت أحياناً أخرى، تجد الفنان يحاول أن يتذكر الأشخاص والأشياء المحيطة، بهدف البناء الفكري للمنتج الفني، فالمنتج لا يكون وليد لحظة تأمل واحدة، لمرحلة عمرية معينة، بل يحتاج من الفنان لكي يولد سلسلة من لحظات تأمل، تبدأ بالطفولة. بدأت عملية العبث الطفولي، كونها حاجة لإرضاء خيال الطفولة، ولكنها تتطور لتصبح حاجة لتحقيق الذات، وإبراز القدرات الفكرية، في التعامل مع الآخر، حيث لم يعد يعبث مع الأشياء، بل مع الأشخاص، والفنان لا يكتفي بمرحلة الأشخاص، بل يدخل مرحلة الأفكار، والتي تعتبر مرحلة يصعب دخولها، لكن الفنان يستعمل مفتاح عبث الطفولة للدخول. science_97@yahoo.com