قِلَّة أصابها الشطط، فدخلت في اللغط وارتكبت الغلط، وعندما أرادت أن تختزل الزمن، انحرفت وانجرفت، وعصت واستعصت، فاختزلت من أعمار الوطن، وبوهن الليوث المهزومة ساورت وغامرت بعهن، وما استطاعت أن تفعل غير الغوص في براثن العفن .. قِلَّة مختلة معتلة، مبتلة بحثالة وضحالة، خرجت عن الصف لتصطف إلى قافلة مترهلة، منضوية مكتوية بنيران وأشجان أحلام ما قبل التاريخ وأوهام “أم الدويس” وما جاشت به من تخويف.
قِلَّة اعتنقت السراب حلماً، وتشبثت بالخراب سقماً، ولبثت تحلب من ضروع المعجفات وهماً، وتذهب بالفكرة بعيداً .. بعيداً كأنها الفئران قارضة سجادة منازل البذخ، كأنها النيران الساعية في لقم الناس، كأنها الطوفان البغيض الحضيض، الرضيض، الشارد من رحمة الله عصياناً، وامتهاناً، وارتهاناً.. قِلَّة خرجت في سبيل الشيطان كموجة مائجة هائجة، تهشِّم أوردة الشطآن، وتغربل وتسربل، وتجندل، وتبلبل، وتشيع نعيق الضفادع في هدأة النهار الوطني، وتقسم أنها امتلكت ناصية الحق، وزمام الحقيقة، بينما هي أشبه بفكرة ضائعة، في رأس تائه ضل الطريق واستبد به الحريق، ونال ما نال من تمزيق ونزق.
قِلَّة، صلَّت الاستخارة من دون طهارة، وحلمت بالكابوس، وقالت إنه القبس واستمرأت الحلم حتى نهاية الرجس، فإذا بها تصحو على قارات من الفكر موحشة، ناهشة، غاشية، فاشية، متفشية، تحتشد فيها جل ضلالات بني الردة، عن ثوابت الوطن ومبادئه وقيمه، ونظمه الاجتماعية والإنسانية والدينية.
قِلَّة لا تفرق ما بين الفضيلة والرذيلة، ولا ما بين الرحمة والنقمة، ولا ما بين الصدق والنزق، ولا ما بين الحقوق والمروق، ولا ما بين الهديل والعويل، ولا ما بين الدعاء والعواء، ولا ما بين النث والرث، ولا ما بين الحث والحبث، ولا ما بين الإيمان والعصيان، ولا ما بين الدين والتخمين، ولا ما بين الزبدْ والماء البرَدْ، ولا ما بين النقاء والخواء، ولا ما بين الازدهار والخوار، ولا ما بين التطور والتهور.
قِلَّة .. فيها من سلالة مسيلمة، وأحلامه المظلمة، وأفكاره المتأزمة، ومشاعره المهشمة، وتطلعاته الظالمة، ونواياه المحطمة، ونظرته المبهمة.
قِلَّة، أرادت أن تطير بالأوطان، ولما طارت حلَّت على حضيض خفيض، رقيع وضيع، وما كان منها إلا أن تحرق ثيابها لكي يحترق الآخرون، فاحترقت وتحوَّلت أفكارها رماداً، وأحلامها قدداً، وبقيت الأوطان كصور النورس، تحدق من القمم الشم، على مشاهد كرتونية، أبادتها أحقادها، وأوهامها، ونفسها الأمارة. وروحها المستعرة..
وكفى الله أوطاننا شر الكارهين.


marafea@emi.ae